الخميس. أكتوبر 17th, 2024

تعيين فيصل المقداد نائبًا للرئيس.. إعادة ترتيب الأوراق في المشهد السياسي السوري

في خضم التحولات المستمرة التي تشهدها الساحة السياسية السورية، جاء تعيين فيصل المقداد نائبًا لرئيس الجمهورية ليشكل محطة جديدة في إعادة ترتيب مراكز القوى داخل النظام السوري. يُعرف المقداد بخبرته الطويلة في السلك الدبلوماسي وقدرته على إدارة ملفات حساسة في السياسة الخارجية السورية، خصوصًا في السنوات الأخيرة التي شهدت سوريا فيها تحديات داخلية وإقليمية ودولية كبرى. هذا التعيين المفاجئ أثار تساؤلات عديدة حول خلفياته ومعانيه، سواء على مستوى التوازنات الداخلية في النظام أو في إطار العلاقات الخارجية.

خلال العقد الماضي، لعب المقداد دورًا محوريًا في تمثيل دمشق على الساحة الدولية، متبنيًا خطابًا يسعى لتقديم صورة الدولة السورية على أنها تخوض حربًا ضد الإرهاب وتواجه تحديات خارجية تهدد سيادتها. ولكن مع تغير معادلات الصراع داخل سوريا، وبدء انحسار العمليات العسكرية تدريجيًا، يبدو أن النظام يسعى إلى إعادة ترتيب الأولويات الداخلية وتوزيع الأدوار في الحكومة. المقداد، الذي تميز بتوجهه الحذر واعتداله السياسي، ربما يمثل الشخصية المناسبة في هذه المرحلة لتولي منصب أكثر رمزية في إدارة الحكم.

التوقيت أيضًا له دلالات مهمة. ففي ظل التقارب الإقليمي والدولي تجاه إعادة دمج سوريا في محيطها العربي والدولي بعد سنوات من العزلة، قد تكون هذه الخطوة جزءًا من استراتيجية جديدة تهدف إلى إعادة تقديم شخصيات بارزة في النظام بطرق جديدة تتماشى مع هذه التطورات. وقد يتطلب هذا التحول إفساح المجال لشخصيات جديدة في وزارة الخارجية، تتماشى مع روح المرحلة الجديدة التي تحاول سوريا رسمها.

في هذا السياق، لا يمكن فصل تعيين المقداد عن الديناميكيات الداخلية للنظام. فمنذ بداية الأزمة، كان توزيع المناصب العليا داخل النظام يمثل انعكاسًا للتوازنات بين الفصائل المختلفة التي تتداخل بين الأجهزة الأمنية، والمؤسسات السياسية، والعشائرية. تولي المقداد منصب نائب الرئيس قد يُقرأ كتعبير عن رغبة الرئيس السوري بشار الأسد في تعزيز الولاء الداخلي، والحفاظ على استقرار النظام عبر إعادة توزيع المناصب بما يضمن تقوية العناصر الأكثر ولاءً وكفاءة في هذه المرحلة الدقيقة.

إلى جانب ذلك، يتزامن تعيين المقداد مع مساعٍ دولية متزايدة لاستئناف العملية السياسية في سوريا، سواء من خلال الأمم المتحدة أو عبر المبادرات الإقليمية، مثل محادثات آستانا وسوتشي. قد يكون المقداد في موقعه الجديد قادرًا على لعب دور دبلوماسي أكبر، يتجاوز مهام وزارة الخارجية التقليدية، وذلك من خلال تولي ملفات سياسية داخلية حساسة وربما حتى تسهيل الحوار بين الفصائل المختلفة في سوريا.

إجمالاً، تعيين فيصل المقداد نائبًا لرئيس الجمهورية يمكن قراءته على أنه جزء من عملية أوسع لإعادة ترتيب الأوراق داخل النظام السوري استعدادًا لمرحلة جديدة في الصراع والسياسة السورية، مرحلة تتطلب مرونة أكبر في التعامل مع القضايا الداخلية والخارجية، وتفعيل أدوار شخصيات تحمل طابعًا مؤسساتيًا ودبلوماسيًا أكثر مما كان عليه الحال في سنوات الحرب الأكثر عنفًا.

إضافةً إلى ما سبق، يمكن النظر إلى تعيين المقداد كإشارة إلى تحول في طريقة تعامل النظام مع أزماته الداخلية. فالمقداد، بخبرته الطويلة في المشهد الدولي، قد يكون قادرًا على لعب دور في تخفيف الضغوط الاقتصادية عبر تنشيط العلاقات مع دول صديقة مثل روسيا وإيران، وأيضًا إعادة بناء الجسور مع بعض الدول العربية التي بدأت تلمح إلى إمكانية فتح صفحة جديدة مع دمشق. هذا الدور السياسي الجديد قد يُعزز عبر إعادة صياغة العلاقات الاقتصادية والدبلوماسية بما يتوافق مع حاجات سوريا الملحة في هذه المرحلة.

أيضًا، قد يكون لتعيين المقداد تداعيات على الملف الكردي، حيث يبرز النقاش حول الإدارة الذاتية في شمال شرق سوريا. المقداد، الذي أدار ملفات دبلوماسية معقدة سابقًا، قد يُكلف بمهمة تحقيق نوع من التوازن بين الطموحات الكردية ومتطلبات السيادة السورية، خاصة في ظل الأجواء الدولية التي تميل إلى إيجاد حلول وسط تُجنب سوريا مزيدًا من التفكك.

علاوة على ذلك، يأتي هذا التعيين في وقت حساس مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية في سوريا، حيث يمكن أن يُنظر إلى هذه الخطوة كجزء من استراتيجية أوسع لإعادة تشكيل هيكل السلطة بحيث يتم تقديم النظام في صورة أكثر استقرارًا وتنظيمًا، مع إظهار وجود تدرج واضح في السلطة. يمكن أن يكون المقداد أحد الشخصيات المحورية في هذه المرحلة، ليس فقط كمسؤول تنفيذي، بل كوسيط دبلوماسي يجمع بين الداخل والخارج لإعادة إحياء الشرعية الدولية والإقليمية للنظام.

وفي الإطار الداخلي، قد يعكس هذا التعيين محاولة لتدعيم مؤسسة الرئاسة بوجوه أكثر قبولًا على الساحة السورية، سواء لدى بعض النخب التقليدية أو بين الأجيال الشابة التي تبحث عن شخصيات أكثر توافقًا مع متغيرات المرحلة الراهنة.

Related Post