الخميس. أكتوبر 17th, 2024

معبر أبو الزندين يكشف الانقسامات العميقة في المعارضة السورية

شهدت صفوف المعارضة السورية مؤخرًا تصاعدًا في حدة التوترات الداخلية، سواء على الصعيد العسكري أو السياسي، وذلك على خلفية الخلاف حول فتح معبر “أبو الزندين” الفاصل بين مناطق سيطرة المعارضة والنظام السوري في الشمال.

هذا الخلاف، الذي برز بعد الاجتماع الذي عقد في مطار ولاية غازي عنتاب التركية بحضور ممثلين عن وزارة الخارجية والاستخبارات التركية وقادة من الجيش الوطني السوري والائتلاف الوطني السوري، كشف عن انقسامات عميقة في صفوف المعارضة. بينما أكد الجانب التركي أن فتح المعبر يأتي لأسباب تجارية بحتة، تزايدت المخاوف من استغلال النظام لهذا التبادل لإنعاش اقتصاده المتدهور. هذه التحولات دفعت بالفصائل العسكرية، مثل “الجبهة الشامية”، إلى انتقاد الحكومة المؤقتة واتهام رئيسها عبد الرحمن مصطفى بالفساد وسوء الإدارة، في وقت تزايدت فيه المظاهرات الشعبية المطالبة بعزل الحكومة وإعادة القرار العسكري إلى الداخل السوري.

لا يمكن النظر إلى الخلاف حول فتح معبر أبو الزندين بمعزل عن السياقات الأعمق للانقسامات المستمرة داخل المعارضة السورية السياسية والعسكرية. هذا الخلاف، الذي تفجر حول قرار الحكومة المؤقتة بالتنسيق مع تركيا بشأن المعبر، يكشف العديد من العيوب الهيكلية والعملية التي تعاني منها المعارضة، سواء في قدرتها على التفاوض أو في تماسكها الداخلي وإدارة ملفاتها.

الخلاف الذي ظهر جليًا في اجتماع غازي عنتاب، كشف عن عمق الانقسامات داخل المعارضة السورية. تصريحات ممثل الاستخبارات التركية التي أشارت إلى تقلص الدعم الدولي للمعارضة باستثناء تركيا وقطر، تُظهر بوضوح أن المعارضة باتت تعتمد بشكل كبير على الدعم الإقليمي. هذه الاعتمادية أسهمت في تفاقم الخلافات بين الفصائل، حيث تسعى كل جهة إلى توظيف الدعم لصالحها، في غياب رؤية موحدة تعزز المصلحة الوطنية العليا.

إضافة إلى ذلك، تُظهر اتهامات “الجبهة الشامية” لرئيس الحكومة المؤقتة عبد الرحمن مصطفى بمحاولة تشويه صورة بعض الفصائل أمام المسؤولين الأتراك أن النزاعات الداخلية ليست محصورة فقط في القضايا السياسية أو العسكرية، بل تتعلق أيضًا بالصراع على الشرعية والنفوذ. هذا النوع من الاتهامات يُبرز أن الفصائل المسلحة لا تنظر إلى الحكومة المؤقتة كحليف سياسي شرعي، بل كمنافس أو حتى كتهديد لمصالحها الفئوية.

التوتر المتزايد حول فتح معبر أبو الزندين، والتخوفات التي عبرت عنها الفصائل بشأن استغلاله لإعادة إنعاش اقتصاد النظام، يشير إلى أن المعارضة لا تمتلك أدوات فعالة لإدارة الاقتصاد في المناطق الخاضعة لسيطرتها. الفشل في التوصل إلى اتفاق حول كيفية تشغيل المعابر يعكس مرة أخرى الانقسام الداخلي، حيث تُستغل الموارد الحيوية كساحة للصراع بين الفصائل، بدلاً من أن تكون وسيلة لدعم استقرار المناطق المحررة وتحسين معيشة المواطنين.

هذا الاجتماع الفاشل والاتهامات المتبادلة بين قادة المعارضة تُظهر أن المشكلة الحقيقية تكمن في عدم وجود حوكمة رشيدة وفعالة. النقد الموجه لرئيس الحكومة المؤقتة، واتهامه بسرقة 17 مليون دولار من أموال معبر باب السلامة، يُظهر أن هناك أزمة ثقة عميقة بين المكونات المختلفة للمعارضة. هذه الاتهامات الخطيرة ليست مجرد تبادل للاتهامات، بل هي مؤشر على عمق الفساد والتنافس الفئوي الذي يعصف بالمعارضة.

يُبرز هذا الانقسام ضعف المعارضة في التعاطي مع ملفات حيوية مثل فتح المعابر وإدارة الموارد الاقتصادية، حيث أصبحت هذه الملفات أداة للصراع الداخلي. السياق العام الذي ظهر في اجتماع غازي عنتاب يعزز من النقد الموجه للمعارضة السورية، سواء من حيث عدم قدرتها على بناء مؤسسات قادرة على مواجهة التحديات أو حتى في التعامل مع الحلفاء الدوليين بطريقة تحفظ استقلالية القرار الوطني.

أحد الجوانب الأكثر لفتًا للنظر في هذا الخلاف هو الانفصال الواضح بين الفصائل العسكرية والسياسية، الذي يتجلى في غياب التنسيق والانقسام الحاد في المواقف. الفصائل العسكرية، مثل “الجبهة الشامية”، تنظر إلى الحكومة المؤقتة والائتلاف الوطني على أنهما مؤسسات بيروقراطية بعيدة عن واقع الميدان وغير قادرة على تمثيل مصالح القوى الثورية أو الشعبية. هذا التنازع يعكس هشاشة في بناء مؤسسات المعارضة، حيث تبقى القيادة السياسية منفصلة عن القوى الفاعلة على الأرض، مما يفاقم الأزمات بدلاً من حلها.

من ناحية أخرى، يمثل فتح معبر أبو الزندين بُعدًا اقتصاديًا مهمًا، ولكنه في الوقت نفسه يُنظر إليه كملف يُستغل لأهداف سياسية ضيقة. المعبر، الذي يشكل نقطة مهمة للتجارة والاقتصاد بين مناطق المعارضة والنظام، أصبح ساحة صراع على النفوذ بين الفصائل، ويعكس فشل المعارضة في توحيد رؤيتها حول إدارة الموارد الاقتصادية المهمة. هذا الفشل ليس فقط نتاج ضغوط خارجية من تركيا أو الدول الداعمة، بل ينبع أيضًا من غياب استراتيجية متماسكة لدى المعارضة السورية بشأن كيفية التعامل مع النظام في ظل الظروف الراهنة.

الأزمة الأعمق تكمن في غياب الحوكمة الفعالة في مناطق المعارضة. تصريحات بعض قادة الفصائل حول فساد الحكومة المؤقتة وسرقة الأموال العامة، مثل الاتهامات الموجهة بشأن معبر باب السلامة، تعكس فوضى متجذرة في الشمال السوري. بدلاً من أن تكون الحكومة المؤقتة وسيلة لتوحيد القوى المختلفة وإقامة حكم رشيد في المناطق المحررة، أصبحت جزءًا من المشكلة، حيث يُنظر إليها كجسم غير شرعي أو غير قادر على تلبية تطلعات الشارع الثوري.

النقد الأكثر صعوبة يتوجه نحو الطريقة التي تُدار بها المعارضة العسكرية. الفصائل الكبرى في الشمال السوري، رغم سيطرتها العسكرية، تبدو عاجزة عن تقديم نموذج حكم بديل. هيمنة الفصائل المسلحة على القرار السياسي في العديد من الحالات تُفقد المعارضة مصداقيتها أمام المجتمع الدولي وأمام الشارع السوري نفسه. هذه الهيمنة ترتبط غالبًا بمصالح شخصية وفصائلية ضيقة بدلاً من العمل من أجل المصلحة العامة للشعب السوري.

يُظهر الخلاف حول معبر أبو الزندين فشل المعارضة السورية في التوافق على رؤية موحدة ومستدامة للمستقبل. الانقسامات الداخلية، سواء بين السياسيين والعسكريين أو بين الفصائل المختلفة، تعكس عدم نضج سياسي واستمرارية في العقلية الفصائلية التي تعرقل أي جهود لإعادة بناء سوريا من الداخل. هذا الصراع الداخلي المستمر قد يجعل المعارضة غير قادرة على الاستفادة من الفرص الدولية أو الإقليمية، ويعمق أزمة الثقة بينها وبين الشارع السوري الذي بات يبحث عن حلول عملية تنقذ البلاد من حالة الانهيار المتسارع.

Related Post