الخميس. أكتوبر 17th, 2024

تعديل القانون الانتخابي في تونس.. صراع سياسي محتدم وخطر على المسار الديمقراطي؟

تواجه تونس أزمة سياسية متصاعدة في ظل النقاشات حول تعديل القانون الانتخابي الذي اقترحه البرلمان. هذا التعديل، الذي يهدف إلى نقل اختصاصات النظر في النزاعات الانتخابية من القضاء الإداري إلى القضاء العدلي، أثار ردود فعل واسعة من الاتحاد العام التونسي للشغل وجمعية القضاة، بالإضافة إلى قطاعات واسعة من المجتمع المدني. المعارضة لهذا التعديل ترى فيه محاولة لتسييس القضاء وإضعاف دوره في حماية العملية الانتخابية من التلاعب.

تأتي هذه الأزمة في ظل توترات سياسية مستمرة في تونس، حيث تسعى السلطات الحالية لإجراء تغييرات قانونية تعتبرها جزءًا من الإصلاحات السياسية. التعديل المقترح يأتي قبل فترة قصيرة من الانتخابات الرئاسية، مما يزيد من حالة الاحتقان السياسي ويثير تساؤلات حول مدى نزاهة العملية الانتخابية المقبلة. السلطات تدافع عن التعديل بكونه يعزز الشفافية والعدالة، إلا أن المنتقدين يرون فيه محاولة للتلاعب بالعملية الانتخابية لصالح قوى معينة.

اتحاد الشغل، الذي يُعتبر قوة سياسية رئيسية في البلاد، أعرب عن رفضه التام لهذا التعديل. موقف الاتحاد ينبع من مخاوفه بأن نقل الاختصاصات إلى القضاء العدلي قد يؤدي إلى إضعاف دور المحكمة الإدارية، التي لعبت دورًا رئيسيًا في مراقبة العمليات الانتخابية السابقة. الاتحاد يرى أن التوقيت قبل الانتخابات يمثل تهديدًا لاستقرار المسار الديمقراطي في البلاد ويُعتبر خطوة غير مبررة تهدف لتقويض نزاهة القضاء الإداري.

جمعية القضاة نددت بشكل خاص بما وصفته بأنه “إقحام القضاء العدلي في مهام خارج اختصاصه”، معتبرة أن التعديل يُقوض استقلالية القضاء ويضعف دوره كمراقب نزيه للانتخابات. الجمعية دافعت عن المحكمة الإدارية ومحكمة المحاسبات، مؤكدة على حيادهما وكفاءتهما في إدارة الانتخابات السابقة، خاصة انتخابات 2019 التي شهدت إشادة دولية بنزاهتها.

تعديل القانون الانتخابي يحمل في طياته مخاطر سياسية كبيرة، لا سيما في ظل المناخ الانتخابي المتوتر. بعض المرشحين، مثل زهير المغزاوي والعياشي زمال، أعلنوا نيتهم الطعن في هذا التعديل، مما قد يؤدي إلى جولات من النزاعات القانونية التي قد تعرقل سير الانتخابات. التعديل يُنظر إليه على نطاق واسع على أنه محاولة لتغيير “قواعد اللعبة” قبيل الانتخابات، مما يهدد بثقة الناخبين في نزاهة الانتخابات ومؤسسات الدولة.

في حال تمرير هذا القانون، قد يؤدي إلى تقويض الثقة في المسار الديمقراطي التونسي الذي يُعتبر من الإنجازات الرئيسية بعد ثورة 2011. استقلال القضاء وحياديته هما جزء من هذا المسار، وأي محاولة لإضعاف هذه الاستقلالية قد تدفع البلاد إلى مزيد من الانقسامات السياسية والاجتماعية. كما أن هذا التعديل قد يُفسر كخطوة نحو تعزيز سيطرة السلطات التنفيذية على مفاصل الدولة بما يشمل القضاء، مما يثير القلق حول مستقبل الديمقراطية في تونس.

المجتمع الدولي، ولا سيما الجهات الداعمة للتحول الديمقراطي في تونس مثل الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، قد ينظر إلى هذا التعديل على أنه خطوة قد تعرقل شفافية الانتخابات وتعيد البلاد إلى حقبة ما قبل الثورة.

المجتمع المدني الدولي، الذي كان يراقب العملية الانتخابية في تونس منذ 2011، قد يُعيد النظر في دعمه للسلطات الحالية إذا استشعر بأن المسار الديمقراطي يتعرض للخطر. في هذا السياق، يجب أن نأخذ بعين الاعتبار أن ثقة المستثمرين الأجانب، الذين يشكلون جزءاً أساسياً من الاستقرار الاقتصادي التونسي، مرتبطة أيضًا باستقرار الوضع السياسي. التعديلات التي قد تضر بثقة المواطنين في مؤسسات الدولة يمكن أن تؤدي إلى هروب رؤوس الأموال وتفاقم الأوضاع الاقتصادية.

على الصعيد الداخلي، يمكن للتعديل أن يُسهم في زيادة التوترات الاجتماعية، خاصة في ظل الوضع الاقتصادي المتردي وارتفاع نسبة البطالة والفقر. الشارع التونسي قد يرى في هذا التعديل محاولة لإحكام السيطرة على مفاصل الدولة مما قد يدفع إلى موجة من الاحتجاجات. الحركات الشبابية والقوى الثورية التي كانت في طليعة التغيير السياسي في 2011 قد تعود إلى الساحة السياسية بشكل أقوى، خاصة إذا شعرت بأن الديمقراطية التونسية مهددة.

على المدى الطويل، تمرير هذا التعديل قد يؤدي إلى زيادة الانقسامات السياسية بين الأطراف المختلفة، وهو ما قد يضعف من قدرة البلاد على الاستفادة من المشهد الدولي الحالي الذي يبحث عن استقرار ديمقراطي دائم في المنطقة.

Related Post