الخميس. أكتوبر 17th, 2024

تحول في العلاقات المغربية التونسية.. من أزمة دبلوماسية إلى فرص للتعاون؟

شهدت العلاقات المغربية التونسية توتراً منذ أغسطس 2022، على خلفية استقبال الرئيس التونسي قيس سعيد لزعيم جبهة “البوليساريو”، إبراهيم غالي، وهو ما اعتبرته الرباط خطوة غير مسبوقة تمس وحدة أراضيها. اللقاء الأخير بين وزيري الخارجية المغربي ناصر بوريطة والتونسي محمد علي النفطي على هامش منتدى التعاون الصيني الإفريقي في بكين يُعد إشارة إلى بداية تلطيف الأجواء بين البلدين بعد عامين من الأزمة.

تأتي أهمية هذا اللقاء في إطار محاولة إصلاح العلاقات الدبلوماسية المتوترة بين البلدين. رغم أن الأزمة بدأت بسبب موقف تونس من ملف الصحراء الغربية، إلا أن اللقاء الوزاري الأخير يعكس رغبة الجانبين في التخفيف من حدة التوتر، والعمل على إعادة بناء العلاقات التي تتسم بالعمق التاريخي بين الشعبين التونسي والمغربي.

اللقاء يأتي بعد الاتصال الهاتفي بين الوزيرين، والذي عبّر فيه الطرفان عن الحرص على تعزيز التعاون في مختلف المجالات. هذا يشير إلى رغبة متبادلة في تجاوز الخلافات السياسية والتركيز على المصالح المشتركة، خصوصاً في ظل التحديات التي تواجه البلدين على الصعيدين الإقليمي والدولي.

التوتر بين المغرب وتونس كان يعكس أيضاً التنافس الإقليمي الأوسع الذي يتضمن الجزائر، الداعمة لجبهة “البوليساريو” والتي تستضيف لاجئين من إقليم الصحراء. ملف الصحراء الغربية كان دائماً مصدرًا للتوترات في منطقة المغرب العربي، بين دول تدعم الاستقلال الذاتي وأخرى تؤيد تقرير المصير. وفي هذا السياق، يُعتبر اللقاء بين بوريطة والنفطي إشارة إلى أن المغرب يسعى لتوسيع دائرة التعاون مع دول الجوار على الرغم من التحديات السياسية.

في حين أن اللقاء الأخير قد يكون خطوة إيجابية نحو تطبيع العلاقات بين البلدين، إلا أن الموقف من قضية الصحراء الغربية سيظل عاملًا مؤثرًا في مستقبل العلاقات الثنائية. من المتوقع أن تشهد المرحلة المقبلة محاولات لتعزيز التعاون الاقتصادي والدبلوماسي، لكن هذه الجهود قد تتعرض للتعطيل إذا ما استمرت الخلافات حول القضايا السيادية والإقليمية.

على الصعيد العملي، يمكن أن يسهم هذا اللقاء في فتح حوار بناء حول القضايا ذات الاهتمام المشترك مثل تعزيز الاستثمارات، التعاون الأمني، ومواجهة التحديات الاقتصادية التي تواجه البلدين.

من المهم أن نفهم أن العلاقات المغربية التونسية تمر بفترة حرجة تتأثر بظروف إقليمية ودولية أكبر من مجرد الخلافات الثنائية. اللقاء الوزاري الأخير يأتي في وقت تشهد فيه المنطقة المغاربية انقسامات سياسية عميقة، خاصة فيما يتعلق بالصراع على النفوذ بين المغرب والجزائر. هذا اللقاء قد يكون خطوة في اتجاه تعزيز الاستقرار الإقليمي، إلا أن المصالح السياسية العميقة تجعل من الصعب التنبؤ بتأثيره الفعلي على المدى البعيد.

التأثيرات الاقتصادية قد تكون عاملاً مهماً يدفع البلدين نحو مزيد من التعاون، لا سيما في ظل التحديات الاقتصادية التي تواجه كلا البلدين بعد جائحة كورونا. الرباط وتونس بحاجة إلى تعزيز علاقاتهما الاقتصادية للتعامل مع الأزمات الداخلية، وهذا اللقاء قد يكون مفتاحاً لإعادة التركيز على المصالح المشتركة. لكن على الرغم من الأجواء التصالحية، يظل ملف الصحراء الغربية نقطة توتر قد تعيد الخلافات إلى الواجهة في أي وقت.

علاوة على ذلك، يُعد اللقاء جزءًا من سياق أكبر يتعلق بالعلاقات المغاربية الإفريقية. البلدان المغاربية تسعى إلى تعزيز علاقاتها مع القارة الإفريقية عبر منتديات مثل “منتدى التعاون الصيني الإفريقي”، وبالتالي فإن أي توتر بين المغرب وتونس قد يؤثر على فرص التعاون الإقليمي في إفريقيا، وهو ما يجعل اللقاء بين وزيري الخارجية خطوة ضرورية لتعزيز التعاون على الساحة الإفريقية.

رغم أن هذا اللقاء يمثل خطوة مهمة نحو تخفيف التوتر بين البلدين، إلا أن استدامة هذه العلاقات مرهونة بمدى نجاح الطرفين في التعامل مع القضايا الإقليمية المعقدة، وعلى رأسها قضية الصحراء الغربية والتوازنات الإقليمية في المغرب العربي.

Related Post