الخميس. أكتوبر 17th, 2024

مشروع قانون الإضراب في المغرب.. توازن مطلوب بين حقوق العمال ومتطلبات الاقتصاد

State-employed medical workers demonstrate outside the health ministry during a strike, in Rabat, Morocco, Monday, Oct. 16, 2017. Many public sector medical workers in Morocco went on strike Monday, demanding higher pay and improvements to working conditions. (AP Photo/Mosa'ab Elshamy)

يتواصل الجدل في المغرب حول مشروع قانون الإضراب، الذي ظل عالقًا في البرلمان لفترة طويلة، وسط مساعٍ حكومية للإسراع في تمريره قبل نهاية ولاية حكومة أخنوش. يسعى هذا المشروع إلى تنظيم حق الإضراب الذي نص عليه الدستور، لكن النقابات ترى في المشروع بصيغته الحالية تهديدًا لهذا الحق.

أبرز الانتقادات الموجهة لمشروع القانون تتعلق بطبيعته التقييدية. المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي عبّر عن مخاوف من أن التشريع المقترح يهدف أكثر إلى الحد من حق الإضراب بدلًا من تنظيمه. مع وجود 12 مادة عقابية، يُخشى أن القانون يمنح السلطات وأرباب العمل أداةً للضغط على العمال وعرقلة ممارسة حقهم.

إضافة إلى ذلك، ركز المجلس على غياب ديباجة توضح فلسفة وأهداف النص، ما يعكس ضعف التواصل حول القيم الاجتماعية والدستورية التي يجب أن يسعى التشريع لتحقيقها.

مشروع القانون يثير أيضاً قلقاً من عدم التوازن بين القطاعين العام والخاص، إذ أن أغلب المواد تتعلق بالقطاع الخاص، ما يثير شكوكاً حول مدى العدالة في تطبيق هذا الحق بين العاملين في كلا القطاعين. هذا الخلل قد يؤدي إلى تمييز بين العاملين، ويعزز حالة عدم المساواة في حماية حقوق العمال.

القانون يشترط أن تكون الدعوة إلى الإضراب من قِبل النقابات الأكثر تمثيلًا فقط، ما قد يحرم بعض الفئات العمالية من ممارسة حق الإضراب. إضافة إلى ذلك، اشتراط حضور 75% من العمال في الجمعية العامة لإعلان الإضراب يشكل عائقًا عمليًا، خاصة في الشركات الكبيرة، ما قد يصعّب تنظيم الإضرابات.

المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي قدم عددًا من التوصيات لتعديل القانون، بما في ذلك ضرورة تكييف المهلة الزمنية المقررة قبل إعلان الإضراب حسب طبيعة كل قطاع، وضرورة الاعتماد على العقوبات التأديبية بدلًا من الجنائية لتجنب خلق مناخ من التوتر بين أرباب العمل والعمال.

على الرغم من هذه المخاوف، تُظهر الحكومة مرونة في التفاوض مع النقابات وممثلي أرباب العمل. تصريحات وزير الإدماج الاقتصادي يونس السكوري تشير إلى أن الحكومة لن تمرر قانونًا يحد من حق الإضراب دون الوصول إلى توافق مع الأطراف المعنية.

إذا تم تبني اقتراحات التعديل التي قدمها المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، يمكن أن يكون هذا القانون خطوة نحو تعزيز الحوكمة في العلاقة بين أرباب العمل والعمال، مع ضمان حماية حقوق العاملين وخلق بيئة عمل أكثر عدالة وتوازنًا.

من الضروري أن نفهم أن مشروع قانون الإضراب في المغرب ليس فقط قضية داخلية تتعلق بتنظيم العلاقة بين العمال وأرباب العمل، بل هو جزء من تفاعل أكبر بين الدولة والمجتمع المدني حول كيفية تنظيم الحريات الأساسية. في عالم يشهد تغييرات سريعة في أنماط العمل بفضل التطورات التكنولوجية وتغيرات السوق العالمية، يأتي القانون في سياق دولي حيث تسعى الحكومات إلى التوازن بين حقوق العمال ومتطلبات الاقتصاد المتغير.

الانتقادات التي وُجهت للقانون تتعلق أيضًا بتأثيره على التوازن الاقتصادي والاجتماعي. في ظل التحديات الاقتصادية التي يواجهها المغرب، فإن تمرير قانون يتضمن قيودًا صارمة على حق الإضراب قد يؤدي إلى توترات اجتماعية، خاصة في قطاعات حيوية مثل التصنيع والتعليم والصحة. وهذا يمكن أن يضعف الاستقرار الاجتماعي إذا شعر العمال بأن حقوقهم الأساسية مهددة.

من الناحية السياسية، فإن الاستجابة لمطالب النقابات وتنفيذ مراجعات جوهرية لمشروع القانون يُعد اختبارًا حقيقيًا لقدرة الحكومة على تحقيق التوازن بين الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية. نجاح هذا التوازن ليس فقط ضروريًا لضمان بيئة عمل مستقرة، بل هو أيضًا مؤشر على مدى نضوج النظام الديمقراطي في المغرب.

Related Post