الخميس. أكتوبر 17th, 2024

هل تتحول الشراكة الروسية الصينية إلى تحالف عسكري لمواجهة التهديدات الغربية؟

قالت روسيا اليوم الأربعاء إن شراكة روسيا مع الصين لا تستهدف دولا ثالثة لكن القوتين قد “توحدان القدرات” إذا واجهتا تهديدا من الولايات المتحدة.

وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا، حين سُئلت عن نشر محتمل لصواريخ أمريكية في اليابان “أود أن أذكركم بأن موسكو وبكين ستردان على ’الاحتواء المزدوج’ من الولايات المتحدة من خلال ’رد مزدوج مقابل”.

تصريحات روسيا الأخيرة بشأن التعاون مع الصين في مواجهة “التهديدات الأمريكية” تؤكد على متانة الشراكة بين البلدين، خاصة في ضوء المناورات العسكرية المشتركة التي تجري حاليًا. على الرغم من تأكيد موسكو وبكين أن شراكتهما ليست موجهة ضد دول ثالثة، فإن تعزيز هذه العلاقة يأتي كرد فعل مباشر على الخطط الأمريكية لنشر صواريخ متوسطة المدى في اليابان.

الشراكة الاستراتيجية “بلا حدود” بين روسيا والصين، التي أُعلن عنها في 2022، تعززت في وقت تشهد فيه التوترات العالمية تصاعدًا، لا سيما في منطقة آسيا والمحيط الهادئ. هذه الشراكة ليست مجرد تعاون اقتصادي أو سياسي، بل تشمل تعاونًا عسكريًا واضحًا، وهو ما يؤكده الرئيسان بوتين وشي جين بينغ من خلال المناورات المشتركة والتحذيرات الموجهة إلى الغرب.

على الرغم من غياب إعلان رسمي عن تحالف عسكري كامل، فإن التعاون الاستراتيجي بين القوتين يتخذ منحىً متزايد نحو تنسيق الردود على ما تصفانه بالتهديدات الأمريكية. روسيا ترى في نشر الصواريخ الأمريكية في اليابان تهديدًا كبيرًا، وتحذر من أن ردها بالتعاون مع الصين قد يكون “أبعد من الصعيد السياسي”، في إشارة إلى إمكانية تعزيز التعاون العسكري في مواجهة هذه التهديدات.

هذه الشراكة الاستراتيجية بين روسيا والصين تشكل تحديًا مباشرًا للنظام الدولي القائم، وتعيد رسم خارطة التحالفات العالمية. بينما تسعى الولايات المتحدة إلى تعزيز وجودها العسكري في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، ترى روسيا والصين أن هذه التحركات محاولة “لإخضاع” المنطقة، وتستعدان لمواجهتها بقوة.

التعاون العسكري بين موسكو وبكين يعكس تزايد التوترات بين القوى الكبرى، ما يشير إلى أن المنافسة الجيوسياسية تتجه نحو تصعيد مستمر، خصوصًا في ظل تعزيز الصين لدورها العسكري والاقتصادي في المنطقة.

كذلك ينبغي التركيز على الأبعاد الاستراتيجية الأوسع لهذه العلاقة التي تتجاوز الرد المباشر على نشر الصواريخ الأمريكية. تحالف موسكو وبكين، رغم أنه ليس تحالفًا عسكريًا رسميًا، إلا أنه يمثل تحديًا للهيمنة الغربية على النظام العالمي. بروسيا والصين، يتلاقى التنافس مع الولايات المتحدة في عدة مناطق، بما في ذلك المحيط الهادئ وآسيا الوسطى، وهو ما يعزز احتمالات إعادة تشكيل التوازنات الإقليمية.

منطقة آسيا والمحيط الهادئ أصبحت ساحة مواجهة رئيسية بين القوى الكبرى. بينما تسعى الولايات المتحدة لتعزيز وجودها العسكري في اليابان وكوريا الجنوبية والتعاون مع حلفائها مثل أستراليا، تنظر كل من روسيا والصين إلى هذه التحركات على أنها جزء من استراتيجية “احتواء مزدوج” تهدف إلى تقويض نفوذهما. نشر الصواريخ الأمريكية في اليابان ليس مجرد تحرك تكتيكي، بل هو جزء من لعبة شطرنج جيوسياسية أوسع تسعى واشنطن من خلالها إلى تطويق كل من موسكو وبكين.

المناورات العسكرية المشتركة بين روسيا والصين هي دليل على مستوى جديد من التنسيق العسكري. هذا التعاون يتجاوز التحركات التقليدية ويشير إلى استعداد البلدين للتصدي لأي تهديدات قد تأتي من الولايات المتحدة وحلفائها. مناورات بحرية وجوية متطورة تنفذها القوتان تحمل رسالة واضحة بأنهما مستعدتان للتدخل في حال تجاوزت واشنطن وحلفاؤها حدودًا معينة. هذا النوع من التعاون لم يكن موجودًا منذ عدة عقود، مما يعكس حجم التحول في العلاقات الدولية.

توسيع نطاق التعاون بين روسيا والصين لا يقتصر على الجانب العسكري فحسب، بل له انعكاسات اقتصادية عميقة. روسيا، التي تواجه عزلة اقتصادية من الغرب بسبب العقوبات، تجد في الصين شريكًا اقتصاديًا حيويًا يفتح لها أسواقًا جديدة ويعزز تبادل السلع والخدمات. من ناحية أخرى، الصين تستفيد من الخبرات العسكرية الروسية والموارد الطبيعية لتأمين احتياجاتها الاقتصادية، خاصة في مجالات الطاقة والبنية التحتية.

الشراكة بين روسيا والصين تشكل جزءًا من جهود أكبر لإعادة تشكيل النظام العالمي، حيث تسعى الدولتان إلى بناء نظام متعدد الأقطاب يتحدى الهيمنة الغربية. هذا التحالف يعزز مكانة البلدين على المسرح الدولي، ويضع الولايات المتحدة وحلفاءها في موقف صعب، حيث يتعين عليهم التعامل مع قوى إقليمية صاعدة تسعى إلى كسر القواعد القائمة.

التغيرات في العلاقات الروسية الصينية تأتي في وقت يشهد فيه العالم تحولات جذرية في السياسات الخارجية. اعتماد روسيا على الصين يضعها في موقف يحتاج إلى توازن دقيق في علاقاتها مع حلفاء آخرين مثل الهند، بينما تواجه الصين تحديات من جيرانها في جنوب شرق آسيا نتيجة لتعزيز حضورها العسكري في بحر الصين الجنوبي. هذا التحالف يعزز قدرة البلدين على مواجهة الضغط الأمريكي، لكنه قد يؤدي أيضًا إلى تصعيد التوترات في مناطق أخرى، مثل آسيا الوسطى ومنطقة القوقاز.

يصح القول أن شراكة موسكو وبكين تمثل مرحلة جديدة في العلاقات الدولية، حيث يتزايد التنسيق بين القوى العظمى في مواجهة تحديات مشتركة. إذا استمرت هذه الشراكة في التوسع، فقد تصبح ركيزة أساسية في إعادة تشكيل النظام الدولي، مع آثار بعيدة المدى على الاستقرار الإقليمي والعالمي.

Related Post