الخميس. أكتوبر 17th, 2024

الخلاف الروسي التركي حول القرم.. توترات سياسية تحت غطاء شراكة استراتيجية؟

قال المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف، إن روسيا تختلف تماما مع تصريحات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان التي قال فيها إنه من الضروري عودة شبه جزيرة القرم للسيطرة الأوكرانية.

صرح أردوغان هذا الأسبوع بأن دعم تركيا لوحدة أراضي أوكرانيا وسيادتها واستقلالها ثابت، وبأن عودة شبه جزيرة القرم، التي ضمتها روسيا في عام 2014، لأوكرانيا أحد متطلبات القانون الدولي.

تصريحات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان حول ضرورة عودة شبه جزيرة القرم لأوكرانيا تعكس توترًا قديمًا في العلاقات الروسية التركية، حيث تعتبر موسكو أن القرم جزء لا يتجزأ من أراضيها منذ ضمها في 2014. هذا التوتر يبرز الانقسامات بين الحليفين الاستراتيجيين رغم تعاونهما الوثيق في ملفات عدة، بما في ذلك الصراع الأوكراني.

تعتبر تصريحات أردوغان حول القرم تحديًا لموسكو، حيث ترى روسيا أن هذه المسألة مغلقة قانونيًا وسياسيًا. تركيا، من جانبها، تؤكد على موقفها الثابت الداعم لوحدة أراضي أوكرانيا، مما يعكس ارتباطها بمبادئ القانون الدولي. هذا الخلاف يمثل إحدى القضايا العالقة في العلاقات الثنائية، حيث يحاول الطرفان إدارة هذه التوترات دون الإضرار بتعاونهما في مجالات أخرى.

يلفت المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف إلى ضغوط أمريكية تُمارس على أنقرة، خصوصًا في ظل علاقات تركيا الاقتصادية الوثيقة مع روسيا. تركيا، كعضو في حلف شمال الأطلسي، تجد نفسها في موقف صعب، حيث تحاول تحقيق توازن بين تعزيز علاقاتها الاقتصادية مع موسكو والحفاظ على علاقتها الاستراتيجية مع الغرب.

على الرغم من هذا الخلاف، تحافظ تركيا على دورها كوسيط بين روسيا وأوكرانيا. الدور التركي كان حيويًا في ترتيب اتفاق تصدير الحبوب الأوكرانية. ومع ذلك، لم تلقَ محاولات أردوغان لإنهاء الصراع قبولًا من الكرملين، ما يعكس تعقيد المشهد الجيوسياسي الذي تحاول أنقرة التوسط فيه.

الخلاف حول القرم لن يؤثر بشكل كبير على التعاون الاستراتيجي الروسي التركي في المدى القريب، ولكنه يشير إلى حدود هذا التعاون. تركيا، التي تسعى لتحقيق نفوذ أكبر في المنطقة، قد تستمر في استخدام هذا الخلاف لتعزيز موقفها التفاوضي في الصراعات الإقليمية. من جهة أخرى، روسيا تبدو حذرة في تعميق التوتر مع شريك مهم كتركيا، خاصة في ظل الضغوط الغربية.

الخلاصة أن العلاقات الروسية التركية تشهد تناقضًا واضحًا بين التعاون الاستراتيجي والخلافات الجوهرية حول قضايا إقليمية، وهو ما قد يؤدي إلى تحديات مستقبلية، لكنه من غير المتوقع أن يؤثر على التوازن القائم بينهما بشكل جذري.

تركيا تحاول منذ سنوات الحفاظ على توازن حساس بين روسيا والغرب، وهي ليست مجرد عضو في الناتو بل لها أيضًا طموحات إقليمية في البحر الأسود وشرق المتوسط، وهو ما يجعل مسألة القرم حساسة من الناحية الجيوسياسية. الموقف التركي الداعم لوحدة الأراضي الأوكرانية يعكس رغبة أنقرة في تعزيز مكانتها كقوة إقليمية مدافعة عن القانون الدولي، وفي نفس الوقت، تستغل تركيا هذا الموقف في علاقتها مع الغرب، وخاصة الولايات المتحدة، لتخفيف الضغوط الغربية بشأن قضايا داخلية كحقوق الإنسان أو ملفات أخرى مثل صفقة الصواريخ الروسية S-400.

التعاون الاقتصادي الروسي التركي، خاصة في مجال الطاقة (مثل مشروع السيل التركي)، يلعب دورًا هامًا في تقليل التوترات السياسية بين البلدين. من جهة، تركيا تعتمد بشكل كبير على إمدادات الغاز الروسي، مما يجعل من الصعب عليها التهجم على روسيا بشكل حاد. ومن جهة أخرى، روسيا تحتاج تركيا كنافذة اقتصادية في ظل العقوبات الغربية، وهو ما يعزز الروابط بين البلدين رغم الخلافات السياسية.

تصريحات بيسكوف حول الضغوط الأمريكية على تركيا تكشف عن قلق الكرملين من تأثير الغرب على تركيا، إذ تخشى روسيا أن تؤدي تلك الضغوط إلى تقارب أكثر بين أنقرة والعواصم الغربية. هذا القلق يعكس عدم الثقة الروسية تجاه شراكتها مع تركيا، التي يمكن أن تتأرجح حسب مصالحها في لحظة معينة، مما يجعل موسكو تسعى للحفاظ على تركيا ضمن حلفائها رغم الخلافات.

تركيا، التي تلعب دور الوسيط في ملفات إقليمية مثل الصراع الأوكراني والحبوب، ستجد نفسها في موقف أكثر صعوبة في حال استمرار التوتر حول القرم. إذ يتوقع أن تسعى أنقرة إلى تعزيز دورها كوسيط، لكنها في الوقت نفسه قد تتعرض لانتقادات من الغرب لعدم اتخاذ موقف أكثر صرامة تجاه روسيا، خاصة في ظل الضغوط المتزايدة لدعم أوكرانيا.

من المحتمل أن يبقى الخلاف حول القرم ملفًا معلقًا في العلاقات الروسية التركية، لكن هذا لن يؤدي إلى انهيار الشراكة بين البلدين. بدلاً من ذلك، سيعتمد الطرفان على إدارة الخلافات بعناية مع التركيز على المصالح المشتركة في مجالات أخرى مثل الاقتصاد والطاقة والأمن الإقليمي.

Related Post