الخميس. أكتوبر 17th, 2024

“النسوية والتدين” قراءة نقدية للعلاقة بين الحركات النسوية والتيارات الدينية في العالم العربي

العلاقة بين الحركات النسوية والتيارات الدينية في العالم العربي تمثل قضية معقدة ومتعددة الأبعاد. إذ تطرح النسوية مجموعة من المطالب المرتبطة بالحقوق الفردية، الحريات، والمساواة الجندرية، بينما تعتمد التيارات الدينية على تفسير نصوص مقدسة تكرس أدوارًا معينة للنساء والرجال. في ظل هذا التباين بين الموقفين، يتشكل صراع دائم حول قضايا المرأة في المجتمعات العربية، حيث تقف الحركات النسوية في مواجهة خطاب ديني يعتبر كثيرون أنه يسعى للحفاظ على أنماط اجتماعية تقليدية.

منذ ظهور الحركات النسوية في العالم العربي، وجد النسويات أنفسهن في مواجهة مع المؤسسات الدينية التي تتبنى تفسيرًا تقليديًا للأدوار الجندرية. غالبًا ما تعتبر التيارات الدينية أن مكانة المرأة محددة في نصوص دينية، مما يحد من حقوقها في المجالين الخاص والعام. على سبيل المثال، تفرض بعض التيارات الدينية قيودًا على حرية المرأة في اتخاذ القرارات المتعلقة بجسدها، مثل قضايا الحجاب، الزواج، والطلاق.

إلا أن المواجهة لم تكن الحل الوحيد، فقد ظهرت تيارات النسوية الإسلامية التي سعت إلى التوفيق بين مبادئ النسوية وقيم الإسلام. النسويات الإسلاميات، مثل أمينة ودود وفاطمة المرنيسي، قدمن قراءات تقدمية للنصوص الدينية، مؤكدة أن الإسلام لا يتعارض مع المساواة بين الجنسين. من وجهة نظرهن، المشكلة ليست في الدين نفسه، بل في التفسيرات التقليدية التي قدمها علماء الدين على مر العصور.

التيارات الدينية والمحافظة على النظام الجندري التقليدي

التيارات الدينية، لا سيما تلك المرتبطة بالسلفية والوهابية، تميل إلى تقديم تفسيرات صارمة للأدوار الجندرية. ترى هذه التيارات أن مكانة المرأة يجب أن تظل ضمن الإطار التقليدي للأمومة والرعاية الأسرية، بينما تُمنح القيادة الاجتماعية والسياسية للرجال. تعتبر هذه الأدوار جزءًا من “النظام الطبيعي” للعلاقات بين الجنسين، وفقًا لفهمهم للدين.

هذه التيارات الدينية تواجه انتقادات واسعة من الحركات النسوية، التي ترى أن هذا التفسير يعزز من الهيمنة الذكورية ويقيد حقوق النساء. كما تشير النسويات إلى أن هذه الرؤية تُستخدم لتبرير الفروق الجندرية في مجالات مثل التعليم، العمل، والمشاركة السياسية.

المتخصصة في الشؤون النسوية، منى عبد العزيز، قالت خلال حديثه لـ”شُبّاك” إن العلاقة بين النسوية والتدين في العالم العربي هي مسألة معقدة تحمل بُعدًا اجتماعيًا وسياسيًا كبيرًا. من المهم التأكيد على أن التوتر بين الحركات النسوية والتيارات الدينية ليس فقط نتيجة لاختلافات في الفهم الديني، بل هو أيضًا انعكاس للهيمنة الاجتماعية والسياسية التي تُستخدم فيها النصوص الدينية كأداة للحفاظ على النظام الأبوي. هذا النظام يعتمد بشكل كبير على ترسيخ الأدوار الجندرية التقليدية وإقصاء النساء من مراكز السلطة سواء في المجالين العام أو الخاص.

وأضافت “في المجتمعات العربية، هناك توجهات محافظة تحاول فرض رؤى دينية محددة، تجعل النساء في موقف تبعية للرجل، بناءً على تفسيرات معينة للنصوص الدينية. هذه التفسيرات لا تعترف بحق المرأة في اتخاذ قراراتها الشخصية أو الاجتماعية بشكل كامل. على سبيل المثال، يتم التعامل مع النساء في قضايا مثل الطلاق أو الوصاية أو الميراث بطريقة تمييزية، حيث تكون المرأة دائمًا في موقف الضعف مقارنة بالرجل. لكن النسوية ليست في موقف مواجهة دائمة مع الدين كفكرة أو كقيمة روحانية. بل على العكس، يمكن للإسلام أو الدين بشكل عام أن يكون عاملًا لتحرير المرأة إذا تم إعادة النظر في التفسيرات القديمة التي وضعها فقهاء ذكور في سياقات اجتماعية محددة. هنا يأتي دور النسويات الإسلاميات، اللواتي يسعين لإعادة قراءة النصوص المقدسة من منظور نسوي، لتحرير المرأة من القيود التي فرضتها التفسيرات الذكورية على مدار التاريخ.”

التحدي الأساسي وفق عبد العزيز يكمن في بناء خطاب نقدي قادر على مواجهة الفكر المحافظ دون الوقوع في فخ المواجهة الصريحة مع الدين نفسه. النسويات في العالم العربي بحاجة إلى التحالف مع التيارات الدينية المعتدلة والمفكرين الإسلاميين الذين يدعمون المساواة الجندرية، من أجل إعادة بناء خطاب ديني تقدمي يتماشى مع قيم العدالة والمساواة.

وفي الوقت ذاته، يجب على النسويات عدم التنازل عن حقوقهن في مواجهة الضغوط الاجتماعية والسياسية التي تحاول إرجاعهن إلى أدوار تقليدية محددة. التعليم، الوعي، والعمل على تطوير قوانين مدنية تعزز من حقوق المرأة هي بعض الاستراتيجيات التي يمكن تبنيها لتحقيق هذا الهدف. لكن المعركة ليست فقط مع الدين، بل هي مع الهياكل الاجتماعية والسياسية التي تكرس التمييز ضد النساء باستخدام الدين كأداة للسيطرة، بحسب المتخصصة في الشؤون النسوية.

المواجهات السياسية والاجتماعية

التوتر بين الحركات النسوية والتيارات الدينية لا يقتصر على النقاش النظري فقط، بل يمتد إلى المجالات السياسية والاجتماعية. في العديد من الدول العربية، تمثل المؤسسات الدينية قوى رئيسية في تحديد السياسات المتعلقة بالمرأة، مثل قوانين الأحوال الشخصية والزواج. على سبيل المثال، في المغرب، شهدت البلاد مواجهات كبيرة حول إصلاح مدونة الأسرة، حيث لعبت الحركات النسوية دورًا كبيرًا في تحقيق مكاسب قانونية للنساء، بينما قاومت التيارات الدينية هذه التعديلات.

الأمر نفسه يتكرر في دول أخرى مثل مصر والسعودية، حيث تواجه الحركات النسوية قيودًا قانونية تفرضها السلطات بناءً على تفسيرات دينية. في بعض الأحيان، تتحالف التيارات الدينية مع السلطات السياسية لتعزيز النظام الجندري التقليدي وقمع أي محاولات لتغييره.

على الرغم من الصعوبات، تواصل الحركات النسوية في العالم العربي جهودها لتحقيق المساواة الجندرية، سواء من خلال المواجهة مع التيارات الدينية أو من خلال التفاوض معها. يبقى السؤال الرئيسي: هل يمكن أن يتحقق توافق بين النسوية والتدين، أم أن التوتر سيظل قائمًا؟

النسوية الإسلامية تقدم نموذجًا للتعايش بين النسوية والدين، لكنها تواجه تحديات كبيرة في المجتمعات المحافظة. من ناحية أخرى، النسويات العلمانيات يعتبرن أن الفصل بين الدين والسياسة هو السبيل الوحيد لتحقيق المساواة الجندرية.

العلاقة بين النسوية والتدين في العالم العربي لا تزال معقدة، حيث تستمر الحركات النسوية في السعي لتحرير المرأة من القيود الجندرية التي تفرضها التفسيرات التقليدية للدين. في الوقت ذاته، تسعى بعض التيارات النسوية إلى إعادة قراءة النصوص الدينية بشكل يدعم المساواة الجندرية. بغض النظر عن النهج المتبع، يبقى الحوار النقدي بين الحركات النسوية والتيارات الدينية ضروريًا لتجاوز الصراع والوصول إلى رؤية أكثر عدالة للمرأة في المجتمعات العربية.

Related Post