الخميس. أكتوبر 17th, 2024

الطاقة المتجددة في العالم العربي.. فرص النمو وتحديات التمويل

يُعد التحول نحو الطاقة المتجددة أحد أهم الأهداف التي تسعى العديد من الدول العربية لتحقيقه في إطار رؤية أكثر استدامة بيئيًا واقتصاديًا. مع تزايد الضغط العالمي لمواجهة التغير المناخي والحد من الانبعاثات الكربونية، تنظر دول المنطقة إلى مصادر الطاقة المتجددة مثل الطاقة الشمسية والرياح كبدائل مستدامة للطاقة التقليدية القائمة على الوقود الأحفوري. ورغم أن منطقة الشرق الأوسط تُعرف تاريخيًا بكونها أحد أكبر منتجي النفط في العالم، فإن العديد من هذه الدول تسعى اليوم إلى تقليل اعتمادها على النفط والغاز وتبني سياسات تدعم مصادر الطاقة النظيفة.

الفرص المتاحة للنمو في مجال الطاقة المتجددة

تمتلك الدول العربية إمكانيات هائلة فيما يتعلق بتطوير الطاقة المتجددة، خاصة في مجال الطاقة الشمسية. منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا (MENA) تتميز بوجود أحد أعلى مستويات الإشعاع الشمسي في العالم، مما يجعلها مرشحة لتكون مركزًا عالميًا للطاقة الشمسية. على سبيل المثال، المغرب يعتبر اليوم رائدًا في مجال الطاقة الشمسية بفضل مشروع “نور”، وهو واحد من أكبر مجمعات الطاقة الشمسية في العالم. كما تملك الإمارات والسعودية خططًا طموحة لتوسيع مصادر الطاقة المتجددة في إطار رؤاهما المستقبلية، مثل “رؤية 2030” للسعودية التي تسعى إلى توليد 50% من طاقتها الكهربائية من مصادر متجددة.

إلى جانب الطاقة الشمسية، تمتلك بعض الدول العربية إمكانيات واعدة في مجال طاقة الرياح. منطقة الخليج، التي تشهد سرعات رياح مرتفعة، تعد مناسبة لتطوير مزارع الرياح، مثل تلك التي تُقام حاليًا في مصر والأردن.

ورغم الإمكانيات الكبيرة، إلا أن تطوير قطاع الطاقة المتجددة في الدول العربية يواجه تحديات كبيرة، وخاصة فيما يتعلق بالتمويل. التحديات التمويلية تتعلق بأمور مثل:

ارتفاع تكاليف الإنشاء الأولية: تعتبر مشاريع الطاقة المتجددة مكلفة في مراحلها الأولى مقارنة بالطاقة التقليدية، على الرغم من أن تكاليف التشغيل والصيانة غالبًا ما تكون أقل. هذا يتطلب استثمارات كبيرة، وهو ما يجعل دول المنطقة بحاجة إلى دعم مالي كبير من القطاعين العام والخاص.

الاعتماد على النفط كمصدر رئيسي للدخل: لا يزال معظم اقتصاديات الدول العربية تعتمد بشكل كبير على عائدات النفط والغاز. هذا الاعتماد يخلق تناقضًا بين الرغبة في تطوير مصادر الطاقة المتجددة وحقيقة أن النفط يشكل العمود الفقري للاقتصاد. بعض الدول تجد صعوبة في تحويل جزء كبير من استثماراتها إلى مصادر الطاقة المتجددة نظرًا لوجود منافسة مع قطاع النفط التقليدي.

نقص البنية التحتية: الكثير من الدول العربية تعاني من نقص في البنية التحتية اللازمة لتوزيع الطاقة المتجددة وتخزينها. تحتاج مشاريع الطاقة المتجددة إلى بنى تحتية متطورة لنقل الكهرباء من محطات الطاقة الشمسية والرياح إلى مراكز الاستهلاك الكبرى.

التحديات التنظيمية والتشريعية: على الرغم من أن بعض الدول قد بدأت بالفعل في تبني سياسات داعمة للطاقة المتجددة، إلا أن العديد من الدول الأخرى لم تقم بعد بتطوير الأطر التشريعية المناسبة التي تتيح استثمارات أكبر في هذا المجال. الفجوات في السياسات التنظيمية تجعل من الصعب جذب الاستثمارات الأجنبية وتطوير قطاع الطاقة المتجددة بشكل سريع.

الخبير في الطاقة المتجددة والسياسات البيئية، أحمد سرور، يقول في حديث لـ”شُبّاك” إن منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تحتوي على واحدة من أعظم الفرص العالمية في مجال الطاقة المتجددة، خاصة فيما يتعلق بالطاقة الشمسية. “تمتاز هذه المنطقة بوجود أحد أعلى مستويات الإشعاع الشمسي على كوكب الأرض، وهذا يشكل فرصة ذهبية لتحويل هذه الطاقة الطبيعية الهائلة إلى مصدر رئيسي لتوليد الكهرباء. لكن العقبة الأساسية أمام هذه الفرصة هي التمويل، حيث لا تزال تكلفة بناء محطات الطاقة الشمسية والرياح مرتفعة في مراحلها الأولى، مقارنة بمصادر الطاقة التقليدية كالنفط والغاز.”

وضيف بأن الحل يكمن في إعادة تصميم السياسات الحكومية لتشجيع الاستثمارات في الطاقة المتجددة، مثل توفير حوافز ضريبية وتمويل ميسر. إضافة إلى ذلك، هناك حاجة ماسة إلى إصلاح التشريعات الحالية التي غالبًا ما تعيق تدفق الاستثمارات في مجال الطاقة المتجددة بسبب الروتين البيروقراطي أو عدم وجود أطر قانونية واضحة. إذا تمكنا من توفير بيئة تشريعية جاذبة، سنرى استثمارات كبيرة من شركات الطاقة الدولية التي ترغب في التوسع في المنطقة.

علاوة على ذلك، فإن الاستفادة من المؤسسات المالية الدولية مثل البنك الدولي أو صندوق النقد الدولي لتوفير التمويل بأسعار فائدة منخفضة يمكن أن يساعد بشكل كبير في تغطية التكلفة الأولية العالية. كما أن البرامج الدولية مثل اتفاقية باريس للمناخ تقدم فرصًا لدعم المشاريع المستدامة، حيث يمكن للدول العربية أن تكون من المستفيدين الأكبر إذا استغلت هذه الفرص بحكمة، وفق سرور.

الحلول المقترحة للتغلب على تحديات التمويل

لتجاوز التحديات المتعلقة بالتمويل، يجب على الدول العربية تبني سياسات وأطر عمل تدعم التحول نحو الطاقة المتجددة، وذلك من خلال:

تشجيع الشراكات بين القطاعين العام والخاص: يمكن للدول العربية تعزيز مشاريع الطاقة المتجددة عبر إقامة شراكات بين الحكومات والشركات الخاصة والمستثمرين الدوليين. شراكات مثل تلك الموجودة في مجمع محمد بن راشد للطاقة الشمسية في دبي تُعد نموذجًا ناجحًا للتعاون بين القطاعين.

الاستفادة من المؤسسات المالية الدولية: ينبغي على الدول العربية استغلال الفرص المتاحة من خلال المؤسسات المالية الدولية التي تدعم مشاريع الطاقة المتجددة. على سبيل المثال، يقدم البنك الدولي والبنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية حزمًا تمويلية لدعم تطوير مشاريع الطاقة النظيفة في الدول النامية.

إصلاح الأطر التنظيمية: تحتاج الحكومات إلى إصلاح التشريعات والسياسات المتعلقة بالطاقة المتجددة لتسهيل جذب الاستثمارات الأجنبية. يجب على هذه الدول وضع خطط واضحة ومحددة المدة لزيادة نسبة الطاقة المتجددة في مزيج الطاقة الوطني.

التوسع في الاستثمارات المحلية: يمكن للدول أيضًا تشجيع الاستثمارات المحلية في الطاقة المتجددة عبر حوافز ضريبية ودعم مالي للشركات التي تستثمر في هذا المجال.

المهندس حسن إبراهيم، المستشار في تمويل مشاريع الطاقة، اعتبر خلال حديث لـ”شُبّاك” بأن الطاقة المتجددة في الدول العربية لا تُعتبر فقط حلًا لمشكلة الاحتباس الحراري، بل هي فرصة اقتصادية هائلة لإعادة بناء اقتصادات قائمة على التنوع والابتكار. في ظل التوجه العالمي نحو تقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري والانتقال إلى مصادر الطاقة النظيفة، فإن الاستثمار في الطاقة المتجددة يمثل خطوة ضرورية للدول العربية لتجنب الاعتماد المفرط على صادرات النفط والغاز. لكن التحدي الأكبر يتمثل في إيجاد مصادر تمويل مستدامة لهذه المشاريع.

من بين الحلول التي يمكن تبنيها لتجاوز هذه العقبات هو تشجيع القطاع الخاص على الدخول في شراكات مع الحكومات لتنفيذ مشروعات الطاقة المتجددة. هذه الشراكات يمكن أن تأخذ أشكالًا متعددة، مثل اتفاقيات البناء والتشغيل والتسليم (BOT)، حيث يتم تمويل المشاريع من قبل القطاع الخاص، ثم تُدار لفترة معينة قبل أن تنتقل ملكيتها إلى الحكومة. هذا النوع من الشراكات قد يساعد في توفير التمويل اللازم دون الحاجة إلى الاعتماد الكامل على الميزانيات الحكومية.

إضافة إلى ذلك، يجب النظر في تنويع وسائل التمويل عبر تطبيق أنظمة تمويل مبتكرة مثل السندات الخضراء، وهي أدوات مالية تهدف إلى تمويل المشاريع التي تدعم البيئة وتقلل من الانبعاثات الكربونية. هذه السندات تُعتبر فرصة ممتازة لجذب المستثمرين المهتمين بالمشروعات المستدامة، كما أنها تخفض التكلفة المالية على الدول في المدى الطويل.

من جهة أخرى، أشار إبراهيم إلى أنه لا بد من زيادة الوعي لدى صانعي القرار بأهمية تسريع التحول إلى الطاقة المتجددة، ليس فقط لأسباب بيئية، ولكن لأسباب اقتصادية أيضًا. الدول التي تستثمر في الطاقة المتجددة ستتمتع بتنافسية أكبر على الساحة الدولية، خاصة مع التحول العالمي نحو سياسات بيئية أكثر صرامة. تخيل أن دولة مثل السعودية أو الإمارات، اللتان تعتمدان بشكل كبير على تصدير النفط، تصبحان من أبرز مصدري الطاقة النظيفة؛ هذا سيغير تمامًا المشهد الاقتصادي في المنطقة ويضع هذه الدول في موقع ريادي عالمي.

تحتوي منطقة العالم العربي على إمكانيات كبيرة لتطوير قطاع الطاقة المتجددة، لكنها تواجه تحديات مالية وتنظيمية تحتاج إلى حلول مبتكرة. مع تبني السياسات المناسبة وتشجيع التعاون بين الحكومات والقطاع الخاص، يمكن لهذه الدول أن تصبح روادًا عالميين في مجال الطاقة المتجددة، مما يعزز من تنوع اقتصاداتها ويقلل من اعتمادها على النفط.

Related Post