الخميس. أكتوبر 17th, 2024

تركيا بين وساطة السلام والنفوذ الإقليمي في أزمة الصومال وإثيوبيا

أشاد الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود، بالجهود التي تبذلها تركيا من أجل حل الخلافات القائمة بين الصومال وإثيوبيا بطرق سلمية.

وقال شيخ محمود إن بلاده “تسعى لحل الخلاف مع إثيوبيا بالطرق السلمية، ونأمل ألا تصل الأمور لمستوى الحرب”.

تأتي تصريحات الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود بشأن التوترات مع إثيوبيا في وقت حرج، حيث تعكس الجهود التركية المتواصلة لتعزيز الحوار بين الجانبين. تلك الجهود، المسماة بـ “عملية أنقرة”، تسعى إلى ردم الفجوة الدبلوماسية عبر الوساطة، لا سيما في ظل التباين الكبير بين الطرفين بعد فشل الجولة الثالثة من المفاوضات.

الصومال، بحدوده المشتركة مع إثيوبيا والتي تمتد لأكثر من 1600 كيلومتر، يعاني من تداعيات جيوسياسية وأمنية أثرت على استقراره. ورغم الجهود التركية للتوسط بين الطرفين، لا تزال إثيوبيا تمثل تهديداً محتملاً للأمن الصومالي، وهو ما جعل الرئيس الصومالي يؤكد مجددًا على أن جميع الخيارات مطروحة في حال تصاعدت الأزمة.

الحضور التركي في هذا الملف يعكس الديناميكية التي استطاعت أنقرة أن تؤسسها في المنطقة. إذ تُعد إثيوبيا محطة للاستثمارات التركية الكبرى في القرن الأفريقي، بينما تتعامل الصومال مع تركيا كحليف رئيسي، يظهر ذلك من خلال وجود أكبر قاعدة عسكرية تركية في الخارج على أراضي الصومال، إضافة إلى أكبر سفارة تركية في العالم، ما يجعل تركيا في وضع ممتاز للتوسط بين البلدين.

بالرغم من ذلك، تبقى الوساطة التركية تحت اختبار فعالية الدبلوماسية وسط غياب المرونة من الطرفين. ما يزيد من صعوبة تحقيق تقدم فعلي، هو طبيعة النزاع الحدودية والسياسية المعقدة بين البلدين، التي تفاقمت بسبب النزاع على الأراضي والتدخلات الإقليمية.

تحركات تركيا الأخيرة التي تتجسد في مساعيها لجمع الطرفين على طاولة المفاوضات تُظهر مدى الدور الذي باتت تلعبه تركيا كلاعب رئيسي في الساحة الأفريقية، حيث تسعى لتعزيز نفوذها عبر تبني نهج الحليف الوسيط الذي يتمتع بعلاقات متوازنة مع الأطراف المتنازعة.

النقطة المحورية في الأزمة تتمثل في رغبة الصومال بالدفاع عن سيادته ومواجهة أي محاولة إثيوبية للاستيلاء على أراضيه، وفي الوقت ذاته لا ترغب مقديشو في الانجرار إلى حرب مع إثيوبيا، بل تفضل حلاً دبلوماسياً. على الجانب الآخر، ترى إثيوبيا أن علاقتها مع الصومال تمثل أهمية بالغة لأمنها القومي في المنطقة، ولكن يبقى النزاع الحالي بمثابة اختبار حقيقي لهذه العلاقة.

كذلك يمكن فهم تلك الجهود بأنها تعكس استراتيجية أنقرة الطموحة في تعزيز نفوذها الإقليمي والدولي. تركيا التي تعد الصومال إحدى ركائز وجودها في القارة الإفريقية، تسعى للحفاظ على علاقات وثيقة مع كلا الطرفين. فالصومال يمثل بالنسبة لتركيا شريكًا أمنيًا واقتصاديًا، بينما تعد إثيوبيا شريكًا استثماريًا رئيسيًا، وهو ما يجعل جهود الوساطة التركية ضرورة لتحقيق توازن استراتيجي في المنطقة.

الصراع بين الصومال وإثيوبيا ليس مجرد نزاع حدودي تقليدي، بل هو نزاع ذو أبعاد تاريخية، تعود جذوره إلى خلافات قديمة حول السيادة والهوية الجغرافية في منطقة القرن الأفريقي. وفي ظل فشل المحاولات الدبلوماسية السابقة، تتعقد عملية التوصل إلى تسوية سلمية دائمة بين الجانبين، حيث تسعى كل دولة إلى فرض نفوذها وتعزيز سيطرتها الإقليمية.

تركيا، من خلال دورها كوسيط، تسعى إلى تحقيق مصلحة مشتركة تتضمن الحفاظ على استقرار المنطقة وحماية مصالحها الاقتصادية والأمنية. فمن جهة، تملك أنقرة استثمارات ضخمة في إثيوبيا، ومن جهة أخرى، تعتمد على الصومال كجزء من استراتيجيتها الأوسع في أفريقيا. هذا التوازن الدقيق يجعل الوساطة التركية وسيلة للحفاظ على علاقاتها الجيدة مع الطرفين.

في السياق الجيوسياسي الأوسع، يبرز دور تركيا كفاعل دولي يسعى لتعزيز نفوذه عبر مبادرات الوساطة والحلول الدبلوماسية، وهو ما يظهر جلياً في عدة صراعات إقليمية أخرى. تركيا تستفيد من علاقتها مع الدول الكبرى في القرن الأفريقي لتوسيع نطاق نفوذها، مستغلة قدرتها على الجمع بين الأطراف المتصارعة وتحقيق توافق إقليمي.

ما يعقد المشهد هو موقف الولايات المتحدة والقوى الغربية من الأوضاع في المنطقة. فتلك القوى تراقب بقلق التحركات التركية والإثيوبية على وجه الخصوص، حيث تخشى من تمدد النفوذ الإقليمي التركي في منطقة تعتبرها حساسة من الناحية الاستراتيجية.

قد يكون للجهود التركية تأثير مباشر في تلطيف حدة التوترات، ولكن يبقى على الجانبين إظهار مرونة أكبر تجاه الحوار إذا ما أرادا تجنب صراع شامل.

Related Post