الخميس. أكتوبر 17th, 2024

التحفيز الصيني يعيد تشكيل أسواق الأسهم بقفزة تاريخية

مع تراجع الاقتصاد الصيني بشكل ملحوظ في الأشهر الأخيرة، وخاصة مع ضعف الطلب المحلي وتباطؤ نمو الصادرات، تزامنت هذه التحديات مع انهيار سوق العقارات وارتفاع الديون. هذه الظروف أدت إلى تباطؤ في النمو الاقتصادي، ما دفع السلطات الصينية إلى اتخاذ سلسلة من التدابير الاقتصادية بهدف إنعاش الاقتصاد ودفع النمو مرة أخرى.

الأسهم الصينية حققت أكبر مكاسبها في يوم واحد منذ 16 عاماً، الاثنين، حيث سجلت الأسهم المحلية من «الفئة أ» أعلى معدل تداول لها على الإطلاق مع اندفاع المستثمرين للانضمام إلى موجة صعود حادة أشعلتها مجموعة التدابير التحفيزية الأخيرة التي اتخذتها بكين، والتي عدّها المستثمرون بمثابة «الفرصة التاريخية».

وارتفع مؤشر «سي إس آي 300» للأسهم القيادية بنحو 30 في المائة مقارنة بأدنى مستوياته في فبراير (شباط)؛ وهو ما يشير وفقاً لبعض تعريفات السوق إلى أنه في «سوق صاعدة».

على الرغم من أن الصين تُعَد واحدة من أقوى الاقتصادات العالمية، إلا أنها تواجه تحديات متعددة، أبرزها تباطؤ النمو الاقتصادي، حيث انخفضت معدلات النمو إلى مستويات غير مسبوقة. الاقتصاد الصيني اعتمد طويلاً على الصناعة الثقيلة والصادرات، ولكن مع تغير الهيكل الاقتصادي العالمي، باتت الصين تواجه تحديات جديدة مرتبطة بنقص الطلب العالمي على صادراتها، وتأثر قطاعها العقاري بسبب الديون المتراكمة. وبالنظر إلى أهمية العقارات في الاقتصاد الصيني، فإن أي انهيار في هذا القطاع يؤثر بشكل مباشر على النمو الاقتصادي.

التدابير التحفيزية

اتخذت الحكومة الصينية عدة إجراءات لتحفيز الاقتصاد، كان أبرزها تخفيضات في أسعار الفائدة وزيادة الدعم المالي. هذه الإجراءات كان لها أثر مباشر على أسواق الأسهم، حيث أدت إلى ارتفاع كبير في مؤشرات السوق. مثلًا، سجل مؤشر “سي إس آي 300” ارتفاعًا بنسبة 30% مقارنة بأدنى مستوياته في فبراير، وهو ما يُعرف بأنه بداية “سوق صاعدة”. بالإضافة إلى ذلك، شهدت الأسهم الصينية المحلية، المعروفة بـ”الفئة أ”، حجم تداول قياسي، حيث تدفق المستثمرون المحليون والدوليون للاستفادة من هذه الفرصة الاستثمارية.

الأثر الأكبر كان واضحًا في قطاع العقارات، حيث ارتفعت أسهم الشركات العقارية بنسبة 8.2% بعد تخفيف القيود المفروضة على شراء العقارات في بعض المدن مثل قوانغتشو وشنغهاي وشنتشن. هذه المدن تُعتبر محورية في الاقتصاد الصيني، وأي تغيير في سياسات العقارات يؤثر بشكل مباشر على الطلب المحلي. كما ساعد تخفيض أسعار الرهن العقاري على زيادة الطلب على العقارات، ما أدى إلى تحسن ملموس في سوق العقارات.

التحفيز لم يقتصر فقط على سوق العقارات، بل شمل أيضًا سوق السلع الاستهلاكية، حيث شهدت أسهم السلع الاستهلاكية الأساسية ارتفاعًا بنسبة 8.8%، وهي أكبر زيادة يومية لها منذ 16 عامًا. هذا يشير إلى أن تدابير التحفيز ليست مؤقتة أو موجهة لقطاع واحد، بل تتوجه إلى إنعاش كافة القطاعات الحيوية في الاقتصاد.
استجابة الأسواق العالمية:

لم يكن الأثر مقتصرًا على السوق الصينية فقط، بل امتدت تداعيات التحفيز إلى الأسواق الآسيوية الأخرى، حيث سجل مؤشر هانغ سنغ في هونغ كونغ ارتفاعًا بنسبة 24% لهذا العام، ليصبح بذلك أفضل سوق أسهم أداءً في آسيا. الأسواق العالمية باتت تنظر إلى الصين على أنها المحرك الرئيسي للنمو الاقتصادي الآسيوي، والتغييرات التي تحدث في الصين تؤثر مباشرة على الاقتصاديات الإقليمية الأخرى.

تأثير السياسات على المدى الطويل

إلى جانب الآثار الفورية، تشير التحليلات إلى أن هذه السياسات التحفيزية قد تساعد في استقرار الاقتصاد الصيني على المدى الطويل، لكن يبقى التحدي في الحفاظ على هذا الزخم بعد انتهاء العطلات الرسمية وعندما تعود الأسواق إلى تداولها الطبيعي. المستثمرون المحليون والدوليون يشعرون بالتفاؤل بشأن قدرة الصين على الانتعاش، لكن هناك قلقًا من أن تكون هذه الإجراءات قصيرة الأمد، وقد لا تعالج الجذور العميقة للتحديات الاقتصادية التي تواجهها البلاد.

على الرغم من أن السياسات التحفيزية كان لها أثر إيجابي على الأسواق، إلا أن هناك مخاوف بشأن تأثيرها على الديون الحكومية. الصين كانت تعتمد على السياسات المالية التحفيزية لسنوات، وقد يؤدي ذلك إلى زيادة الأعباء المالية على الحكومة في حال فشل التحفيز في تحقيق النتائج المرجوة على المدى الطويل. إذا استمر التباطؤ الاقتصادي، فقد تجد الصين نفسها في مواجهة تحديات أكبر مرتبطة بالاستدامة المالية.

تعد استجابة الصين للاقتصاد العالمي ذات أهمية كبرى، حيث تُعتبر المحرك الرئيسي للنمو في آسيا ولها تأثير مباشر على سلاسل التوريد العالمية. وبالتالي، فإن استقرار السوق الصينية سيساهم في استقرار الاقتصاد العالمي ككل. المستثمرون العالميون يرون في هذه الإجراءات فرصة للاستثمار في سوق آخذة في التعافي، ولكنهم يحذرون من الاعتماد المفرط على التحفيز الحكومي دون إصلاحات هيكلية طويلة الأمد.

التحفيز الصيني الأخير حقق نتائج إيجابية فورية في الأسواق، لكن يبقى السؤال حول مدى استدامة هذه المكاسب على المدى الطويل. الصين تواجه تحديات اقتصادية هيكلية تتطلب حلولًا أكبر من مجرد تخفيض أسعار الفائدة أو تقديم دعم مالي مؤقت.

Related Post