الخميس. أكتوبر 17th, 2024

لبنان عند مفترق طرق.. ماذا بعد حسن نصرالله؟

اغتيال حسن نصرالله، زعيم حزب الله، يشكل تحولاً استراتيجياً في المشهد السياسي اللبناني والإقليمي، مما يدفع البلاد إلى “لحظة فارقة” قد تعيد تشكيل علاقات القوى داخل لبنان وخارجه. حسن نصرالله ليس مجرد قائد عسكري، بل رمز سياسي له تأثير عميق في السياسة اللبنانية والإقليمية منذ 1992، مما يعني أن غيابه سيترك فراغًا هائلًا قد يؤثر على مصير الحزب وامتداد نفوذه.

مع مقتل نصرالله، يتعرض حزب الله لضغوط متزايدة، حيث يُنظر إلى الاغتيال على أنه ضربة قوية لهيكل القيادة في الحزب. يُتوقع أن يؤثر غياب نصرالله بشكل مباشر على قدرة الحزب في إدارة علاقاته الداخلية والخارجية. رغم امتلاك الحزب لهيكل مؤسسي قوي، إلا أن اختراقه استخباراتياً وتعرضه لهجمات نوعية يثير تساؤلات حول قدرة الحزب على التكيف في ظل هذه التغيرات، خاصة مع ما يمر به لبنان من تحديات اقتصادية وسياسية.

إحدى أكبر القضايا المطروحة هي مدى تأثير مقتل نصرالله على العلاقة بين حزب الله وإيران، حيث يُعتبر الحزب ذراعاً استراتيجياً لطهران في المنطقة. ومع ظهور علامات ضعف استخباراتي لدى إيران وحلفائها، يتساءل البعض حول ما إذا كان الدعم الإيراني للحزب سيستمر بنفس الوتيرة.

التحولات في السياسة اللبنانية

اغتيال نصرالله يأتي في وقت حساس يشهد لبنان فيه انقسامات داخلية وصعوبات اقتصادية، مما يثير الشكوك حول مستقبل الحزب في ظل تآكل شعبيته وهيمنته على السياسة اللبنانية. سيكون من الصعب على خليفة نصرالله أن يحافظ على نفس مستوى النفوذ والقدرة في ظل الظروف المتدهورة.

من ناحية أخرى، هناك ضغوط دولية ومحلية متزايدة لنزع سلاح الحزب أو دمجه ضمن القوى الأمنية اللبنانية، مما قد يؤدي إلى إعادة تعريف دوره كقوة سياسية وعسكرية في البلاد. تزايد الدعوات لتطبيق القرار 1701 الخاص بانسحاب حزب الله إلى شمال الليطاني هو مؤشر على هذه الضغوط.

اغتيال حسن نصرالله هو نقطة تحول جوهرية في المشهد السياسي اللبناني، ليس فقط على مستوى حزب الله، بل على مستوى البلاد ككل. الحزب، الذي سيطر على مساحات واسعة من السياسة اللبنانية والعسكرية لعقود، يجد نفسه الآن في موقف أكثر هشاشة بعد هذا الاغتيال الذي وصفته العديد من التحليلات بضربة قاضية له ولإيران.

قد يؤدي غياب نصرالله إلى تفكك التحالفات الداخلية والخارجية التي بناها الحزب على مدار أكثر من ثلاثة عقود. فالشخصية الكاريزمية التي قادت الحزب لم تكن مجرد زعيم بل كانت رمزًا موحدًا، وسقوطه يترك فراغًا يصعب على أي قيادة جديدة ملؤه. من المحتمل أن يؤدي هذا إلى انقسامات داخلية في الحزب، خاصة في ظل الظروف الصعبة التي يمر بها لبنان، من انهيار اقتصادي إلى تململ شعبي من سيطرة الحزب على الحياة السياسية.

القيادة الجديدة التي ستأتي بعد نصرالله ستواجه تحديات كبيرة في إدارة الحزب. فبالإضافة إلى الضغوط الدولية والمحلية لنزع سلاح الحزب أو دمجه ضمن القوات المسلحة اللبنانية، سيكون على القيادة الجديدة التعامل مع تآكل الدعم الشعبي. إذ أن الحزب فقد الكثير من شعبيته داخل لبنان بسبب سياساته المرتبطة بالحرب في سوريا وهيمنته على القرار السياسي الداخلي، وقد يكون غياب نصرالله سببًا لتفاقم هذه المشاعر.

تداعيات اغتيال نصرالله لن تقف عند حدود لبنان، بل ستؤثر بشكل كبير على العلاقات الإيرانية-اللبنانية. إيران كانت تعتبر حزب الله أداة رئيسية في تمدد نفوذها الإقليمي، وبغياب نصرالله قد تجد نفسها مضطرة إلى إعادة تقييم استراتيجيتها. الدعم الإيراني للحزب قد يستمر، ولكن احتمالية تفاقم الضعف الداخلي للحزب ستجعل إيران تواجه تحديات أكبر في الحفاظ على تأثيرها في المنطقة.

من الناحية الإسرائيلية، هذا الاغتيال يمثل انتصارًا استراتيجيًا كبيرًا، خاصة مع تزامن اغتيال عدد من قادة الحزب الآخرين. ويأتي ذلك في سياق تصاعد التوترات في المنطقة، ما يجعل اغتيال نصرالله عاملًا محوريًا في مستقبل الصراع بين إسرائيل وحزب الله، وقد يؤدي إلى تهدئة أو إعادة تصعيد بناءً على كيفية رد الحزب. لكن على الرغم من هذه الضربة القاسية، الحزب لا يزال يمتلك العديد من الأصول العسكرية والشعبية، ما يعني أن الصراع بين الطرفين قد يأخذ أبعادًا جديدة.

السيناريوهات المستقبلية

في ظل هذه المتغيرات، حزب الله يواجه خيارين: إما الاستمرار في نفس السياسات المتشددة والتحالفات مع إيران، أو اتخاذ مسار أكثر اعتدالًا يتكيف مع الضغوط الداخلية والخارجية. السيناريو الأول ينطوي على تحديات كبرى، حيث إن استمرار الحرب مع إسرائيل والصراعات الإقليمية ستزيد من عزلة الحزب وتضعف دعمه الشعبي. أما الخيار الثاني، الذي قد يتضمن إعادة تقييم العلاقة مع إيران وتبني سياسات داخلية أكثر اعتدالًا، فقد يسمح للحزب بالبقاء كقوة سياسية فاعلة ولكن بشكل أكثر تكيفًا مع الظروف اللبنانية والدولية.

لبنان الآن أمام مفترق طرق حقيقي. اغتيال نصرالله يعيد تسليط الضوء على الحاجة إلى إصلاح النظام السياسي اللبناني. ومع ازدياد التوترات الطائفية والسياسية في البلاد، قد يمثل هذا الاغتيال فرصة للبنانيين لإعادة تقييم دور حزب الله في الحياة السياسية وإيجاد طريق نحو نظام سياسي أكثر توازنًا وشفافية.

هذه المرحلة تمثل فرصة كبيرة للتحولات السياسية والإقليمية، ولكنها تحمل أيضًا مخاطر عالية من التصعيد والانقسام الداخلي في لبنان، خاصة إذا لم يتم التعامل مع تداعيات اغتيال نصرالله بحكمة من جميع الأطراف المعنية.

Related Post