الخميس. أكتوبر 17th, 2024

تجنب توسع صراع الشرق الأوسط.. تحديات وفرص احتواء النزاع الإقليمي

في ظل التصاعد المستمر للصراع بين إسرائيل وحزب الله وحماس، والاشتباكات المسلحة التي تشمل شمال إسرائيل وقطاع غزة، يبرز التساؤل الملح حول احتمالات امتداد النزاع إلى بقية دول الإقليم، ما قد يؤدي إلى اشتعال حرب إقليمية واسعة. ومع ازدياد تعقيدات الصراع، تبدو الحاجة إلى جهود دبلوماسية إقليمية ودولية لمنع انهيار أوسع باتت ضرورية، خاصة في ظل العلاقات المتشابكة بين القوى الكبرى في المنطقة مثل إيران، وسوريا، وتركيا، ودول الخليج.

من الناحية الجيوسياسية، فإن توسع النزاع خارج حدود فلسطين ولبنان قد يؤدي إلى اشتباك عسكري مفتوح بين الدول الإقليمية، ويشكل تحدياً للأمن العالمي. فإيران، الحليف الأساسي لحزب الله، تدرك خطورة التدخل العسكري المباشر نظراً للتبعات الاقتصادية والسياسية لهذا التدخل، خاصة مع العقوبات الدولية المفروضة عليها. في الوقت ذاته، تلعب روسيا دوراً أساسياً في دعم الموقف الإيراني بالمنطقة، في حين تتجنب مصر والسعودية الدخول في نزاع مباشر، وتسعيان للحفاظ على الاستقرار الداخلي.

العلاقات المعقدة بين الدول الكبرى، مثل الولايات المتحدة وروسيا، تؤثر أيضاً على احتمالات توسع الصراع. فواشنطن، رغم تأثيرها العسكري والدبلوماسي الكبير على إسرائيل، تواجه صعوبة في تحقيق ضغط حقيقي على إيران أو حزب الله بسبب تعقيد العلاقة مع طهران وحلفائها. في حين تنظر موسكو إلى الصراع على أنه فرصة لمزيد من النفوذ بالمنطقة في ظل اعتمادها على إيران عسكرياً. وفي هذا السياق، يبدو أن القوة الدولية تواجه عجزاً في تقديم حلول واقعية لتهدئة الأوضاع.

من جهة أخرى، يُعدّ الدور الأوروبي محدوداً رغم تزايد الأصوات المطالبة بتدخل دبلوماسي لوقف التصعيد. إلا أن ضعف الموقف الموحد للاتحاد الأوروبي يعوق أي تحرك حاسم، خاصة مع الأولويات الاقتصادية الداخلية وصعود قوى جديدة على الساحة العالمية. وتعتبر الصين أكثر تركيزاً على مصالحها الاقتصادية في المنطقة، وتتعامل بحذر مع أزمات الشرق الأوسط دون السعي إلى لعب دور مباشر في هذا الصراع.

من الواضح أن هناك إجماعاً متزايداً على أن توسع إطار النزاع قد يكون كارثياً، ليس فقط على مستوى المنطقة، ولكن على الساحة العالمية. فزيادة الهجمات على منشآت البنية التحتية، مثل منشآت الطاقة والممرات البحرية، قد تتسبب في اضطرابات في أسواق النفط العالمية وتعزز التوترات الاقتصادية الدولية. ولا يمكن تجاهل العامل الاقتصادي في حسابات الدول الكبرى، إذ يسعى الجميع إلى تجنب تداعيات سلبية على الاقتصادات الكبرى في ظل الوضع المتوتر عالمياً.

توسع الصراع الحالي بين إسرائيل وحزب الله وحماس ليشمل دولًا إقليمية إضافية سيكون له عواقب وخيمة على المنطقة ككل. سيناريو التوسع قد يدفع الدول الإقليمية إلى مواقف أكثر حدة، مما يزيد من احتمالية تحول النزاع إلى حرب شاملة، وهو ما قد يكون له تأثير كارثي على الاستقرار الإقليمي والعالمي.

إيران، باعتبارها الحليف الرئيسي لحزب الله، قد تجد نفسها مضطرة للانخراط بشكل مباشر في النزاع إذا ما استهدفت إسرائيل مصالحها الإقليمية، خاصة في سوريا والعراق. ورغم أن طهران تدرك تمامًا المخاطر الاقتصادية والسياسية لتدخل مباشر، خاصة في ظل الضغوط والعقوبات الدولية المتزايدة، إلا أن النفوذ الإيراني في المنطقة يعتمد بشكل كبير على بقاء حزب الله كقوة فاعلة في لبنان وسوريا. في الوقت نفسه، تعتبر إسرائيل حزب الله تهديدًا وجوديًا، وبالتالي قد تتوسع حملتها العسكرية لتشمل استهدافات واسعة للبنية التحتية الإيرانية في المنطقة.

من جانبها، تسعى دول الخليج العربي مثل السعودية والإمارات إلى تجنب النزاع العسكري المباشر مع إيران، ولكنها لن تكون بمنأى عن التأثيرات، خاصة في حال امتداد العمليات العسكرية إلى مناطق حيوية، مثل الممرات البحرية أو منشآت النفط. هذه الدول، رغم موقفها الحذر تجاه إيران، قد تجد نفسها مضطرة للتحرك إذا ما شعرت بتهديد مباشر لأمنها القومي. في المقابل، تحافظ هذه الدول على استراتيجياتها المبنية على دعم الاستقرار الداخلي والإقليمي عبر الوسائل الدبلوماسية، مع تعزيز قدراتها الدفاعية.

الدور الدولي، لا سيما الدور الأميركي، يعتبر حاسمًا في الحد من التصعيد. رغم أن الولايات المتحدة تُعد الحليف الأقوى لإسرائيل، إلا أن الضغوط الداخلية والدولية على الإدارة الأميركية قد تدفعها للبحث عن حلول دبلوماسية لاحتواء الصراع. مع ذلك، تعتمد قدرة واشنطن على التأثير في مسار النزاع بشكل كبير على كيفية إدارتها لعلاقاتها مع كل من إيران وإسرائيل، حيث تعتبر الولايات المتحدة أن دعم إسرائيل مسألة استراتيجية ثابتة، لكن استمرار الصراع يضر بمصالحها الأوسع في المنطقة.

من الناحية الاقتصادية، قد يتسبب توسع الصراع في اضطرابات كبيرة في أسواق الطاقة، وهو ما قد يدفع القوى الكبرى، مثل الصين وروسيا، إلى اتخاذ مواقف أكثر وضوحًا بشأن النزاع. الصين، التي تعتمد بشكل كبير على النفط الإيراني، قد تجد نفسها مضطرة للعب دور أكبر في تهدئة التوترات الإقليمية للحفاظ على استقرار إمدادات الطاقة. في حين أن روسيا، التي لها مصلحة استراتيجية في الحفاظ على نفوذها في الشرق الأوسط، قد تفضل لعب دور الوسيط، ولكن ضمن إطار يضمن استمرار علاقتها مع كل من إيران وإسرائيل.

السيناريو الأسوأ، وهو توسع النزاع ليشمل دولًا مثل العراق وسوريا، قد يؤدي إلى تدمير البنية التحتية في تلك الدول الهشة بالفعل، ما يفتح الباب أمام موجة جديدة من اللاجئين والهجرة الجماعية، وهو ما قد يشكل تحديًا كبيرًا للدول المجاورة، بما في ذلك تركيا والأردن. هذه الدول، التي تعاني بالفعل من أزمات اقتصادية وسياسية داخلية، قد تجد نفسها في مواجهة معضلات أمنية واجتماعية واقتصادية يصعب التعامل معها.

أما على المدى البعيد، فإن استمرار التصعيد دون تدخل دولي فعال قد يعزز من نفوذ الجماعات المتطرفة في المنطقة، وهو ما قد يهدد بتقويض أي فرصة لتحقيق الاستقرار السياسي والاقتصادي.

باختصار، إن تجنب توسع الصراع نحو بقية دول الإقليم يتطلب تضافر الجهود الدبلوماسية الإقليمية والدولية، إلى جانب دور حيوي للأمم المتحدة. من الضروري أن تنخرط القوى الدولية والإقليمية بشكل مباشر في محاولات لتهدئة الوضع من خلال فرض وقف لإطلاق النار، مع العمل على توفير ضمانات أمنية للطرفين.

Related Post