الخميس. أكتوبر 17th, 2024

العودة إلى سباق التسلح النووي.. احتمالات المواجهة العالمية بين القوى الكبرى

IVANOVO REGION, RUSSIA - FEBRUARY 25, 2022: Servicemen line up by Yars intercontinental ballistic missile systems of the 54th Guards Rocket Division of the 27th Guards Missile Army of the Russian Strategic Rocket Forces based in Teikovo, Ivanovo Region, during a ceremony to send military hardware to Alabino training ground near Moscow as part of preparations for the Victory Day parade in Moscow's Red Square. Vladimir Smirnov/TASS (Photo by Vladimir SmirnovTASS via Getty Images)

قال الرئيس الأميركي جو بايدن في 2022 “للمرة الأولى منذ أزمة الصواريخ الكوبية، نواجه تهديدا مباشرا باستخدام أسلحة نووية… لم نواجه احتمال حدوث معركة هرمغدون (نهاية العالم) منذ كينيدي وأزمة الصواريخ الكوبية”.

غير أنه مؤخرا جاء في تقرير نشره موقع أويل برايس الأميركي نقلا عن إذاعة أوروبا الحرة أنه بينما يبدو توجيه ضربة نووية روسية إلى أوكرانيا غير مرجح، يستمر نمو خطر حدوث سباق تسلح نووي جديد.

وانسحبت روسيا والولايات المتحدة خلال السنوات الماضية من العديد من المعاهدات الرئيسية للحد من الأسلحة. ولكنها تظل ملتزمة بواحدة فقط، وهي معاهدة ستارت الجديدة التي لا تزال سارية المفعول ومن المقرر أن تنتهي في 2026. وتقول روسيا إن مشاركتها في المعاهدة، التي تحد من عدد الرؤوس الحربية النووية والقاذفات التي يمكن للدولتين الموقعتين نشرها، تبقى معلقة. لكنها وعدت بالالتزام بالقيود في الوقت الحالي.

وإذا انتهت صلاحية معاهدة ستارت الجديدة دون استبدالها، ستصبح القوتان النوويتان الرئيسيتان (لأول مرة منذ دخول معاهدة ستارت الأولى حيز التنفيذ قبل 30 سنة، في 1994) دون قيود على عدد الرؤوس الحربية النووية ووسائل نشرها.

التصعيد النووي وتآكل معاهدات الحد من الأسلحة النووية يمثلان تهديدًا متزايدًا في سياق التوترات الجيوسياسية العالمية، ويشكلان ملامح سباق تسلح جديد قد يعيد العالم إلى حقبة ما قبل المعاهدات النووية. في هذا السياق، فإن تصريحات الرئيس الأميركي جو بايدن حول مواجهة تهديد نووي مباشرة، والتلميحات المستمرة من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين باستخدام الأسلحة النووية، تُظهر مدى الخطر المتصاعد.

على الرغم من أن الضربة النووية الروسية لأوكرانيا تبدو غير مرجحة في الوقت الحالي، فإن التهديد المستمر باستخدام الأسلحة النووية يرتبط بتآكل الاتفاقيات الدولية التي كانت تحدّ من الأسلحة النووية منذ عقود. “معاهدة ستارت الجديدة” تبقى الاتفاقية الأخيرة المتبقية بين الولايات المتحدة وروسيا، والتي تحد من عدد الرؤوس الحربية النووية والقاذفات، ومع انتهاء صلاحيتها في 2026، قد تجد القوتان نفسيهما دون قيود على ترساناتهما النووية، مما يعزز احتمالات سباق تسلح جديد.

إن تآكل المعاهدات بدأ في العقد الماضي، خاصة بعد انسحاب الولايات المتحدة من معاهدة الصواريخ المضادة للباليستية في أوائل الألفية، الأمر الذي أضعف التوازن العسكري النووي. ومع انسحاب الولايات المتحدة وروسيا من معاهدة الصواريخ النووية متوسطة المدى في 2018، أصبحت الأسلحة النووية أكثر انتشارًا وأقل تقيدًا في استخدامها.

ما يفاقم هذا التوتر هو دخول الصين بشكل أكبر في السباق النووي. توسع الصين في ترسانتها النووية يشكل عقبة إضافية أمام أي مفاوضات جديدة تتعلق بالأسلحة النووية، وقد يؤدي إلى سباق تسلح ثلاثي بين الولايات المتحدة، روسيا، والصين. وفقًا لتقديرات، فإن الصين قد تضاهي قوة الصواريخ الباليستية العابرة للقارات للولايات المتحدة وروسيا بحلول العقد المقبل.

من جهة أخرى، أعلنت روسيا عن نيتها تحديث ترسانتها النووية، بينما أشارت تقارير إلى احتمال استئناف التجارب النووية، مما يثير مخاوف من عودة سيناريوهات الحرب الباردة. زيادة الأعداد المخطط لها من الرؤوس الحربية النووية ومنصات الإطلاق النووية، سواء في الولايات المتحدة أو روسيا، تعكس توجهًا نحو إعادة التسلح وتجاهل القيود السابقة.

إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق جديد قبل انتهاء معاهدة “ستارت الجديدة”، فإن سباق التسلح النووي قد يدخل مرحلة جديدة أكثر خطورة.

في ظل الوضع الحالي، يبدو أن العالم يشهد تغيرًا كبيرًا في مشهد التسلح النووي والتوترات الجيوسياسية. توسع الصين في ترسانتها النووية وزيادة إمكانياتها قد يعيد تشكيل ميزان القوى العالمي، مما قد يدفع الولايات المتحدة وروسيا إلى إعادة النظر في حجم وقدرة ترساناتهما. غياب القيود قد يدفع القوى الكبرى إلى تعزيز قواتها النووية بنحو غير مسبوق منذ الحرب الباردة، وهو ما قد يعيد العالم إلى مشهد يشبه فترة ما قبل المعاهدات النووية، حيث تتزايد مخاطر التصعيد والتدمير المتبادل.

يمكننا توقع أن يؤدي غياب القيود المفروضة على الأسلحة النووية إلى توترات متزايدة بين القوى الكبرى مثل الولايات المتحدة وروسيا، وأيضا الدول التي تسعى لتعزيز وجودها في الساحة العالمية، مثل الصين. هذا الاتجاه قد يعزز أيضًا التحالفات العسكرية ويزيد من انتشار التكنولوجيا النووية بين الدول الأصغر التي قد تشعر بالتهديد.

من جانب آخر، فإن تطوير أسلحة أكثر تطورًا قد يدفع الدول غير النووية إلى إعادة النظر في استراتيجياتها الدفاعية، وبالتالي يدفعها إلى تعزيز التعاون العسكري مع حلفاء نوويين. ويمكننا أيضًا النظر في تأثير هذه الديناميكيات على ميزانيات الدفاع العالمي، حيث من المتوقع أن يزداد الإنفاق العسكري في العالم، مع احتمال حدوث ارتفاع كبير في ميزانيات الدفاع لدول مثل الهند، اليابان، وكوريا الجنوبية.

إلى جانب ذلك، فإن هذا الوضع قد يؤدي إلى تحفيز الدول غير النووية للبحث عن طرق جديدة لمواجهة التهديد النووي عبر الاستثمار في تقنيات متقدمة للدفاع الصاروخي أو الحرب الإلكترونية. ومع تزايد التوترات النووية، قد تلجأ بعض القوى الكبرى إلى استخدام دبلوماسية الضغط على الدول الأصغر، ما يعزز عدم الاستقرار العالمي.

Related Post