في تطور جديد على صعيد سياسة إنتاج النفط، قررت دول “أوبك+” المضي قدمًا في تمديد تخفيضات الإنتاج التي كان من المقرر انتهاؤها في يناير/كانون الثاني 2025، مع احتمالية تمديدها حتى أبريل/نيسان من نفس العام، وفقاً لتوقعات “غولدمان ساكس”. هذه التخفيضات، التي تشمل منتجين رئيسيين مثل السعودية، العراق، قازاخستان، وروسيا، تأتي وسط استمرار التراجع النسبي لأسعار النفط في الأسواق العالمية، ما دفع التحالف إلى تبني نهج أكثر حذراً في زيادة المعروض النفطي.
ويشير تقرير “غولدمان ساكس” إلى أن إنتاج العراق وقازاخستان وروسيا انخفض بنحو 0.5 مليون برميل يومياً خلال نوفمبر/تشرين الثاني، مما يعكس التزامًا متزايدًا داخل التحالف بخفض الإنتاج بهدف دعم الأسعار. هذا في الوقت الذي يناقش فيه أعضاء “أوبك+” إمكانية تأجيل أي زيادات مقررة في الإنتاج، كما حدث سابقًا عندما أُجِّلت الزيادة التي كانت مقررة في ديسمبر/كانون الأول.
التأثيرات المتوقعة على الأسعار: هل نشهد ارتفاعًا أم مزيدًا من الضغوط؟
رغم هذه التخفيضات، لا تزال العقود الآجلة لخام برنت تتراوح بين 70 و80 دولارًا للبرميل خلال العام الجاري، حيث تم تداولها مؤخرًا عند أقل من 74 دولارًا، ما يطرح تساؤلات حول مدى قدرة هذه التخفيضات على تحفيز ارتفاع الأسعار.
يؤكد تقرير “غولدمان ساكس” أن تمديد التخفيضات من شأنه أن يدعم الأسعار على المدى القصير، لكنه حذر من أن التأثير قد يكون محدودًا على المدى الطويل، خاصة مع التوقعات بارتفاع الإنتاج من خارج “أوبك+” خلال 2025.
ويتوقع البنك أن يصل متوسط سعر خام برنت إلى 78 دولاراً للبرميل بحلول يونيو/حزيران 2025، قبل أن يبدأ في التراجع تدريجياً ليصل إلى 71 دولارًا بحلول 2026، بسبب عودة فائض المعروض إلى السوق.
أحد العوامل التي قد تقلب موازين السوق هو الإنتاج المتزايد من خارج “أوبك+”، والذي يتوقع الخبراء أن يصل إلى زيادة قدرها مليون برميل يوميًا خلال العام المقبل.
وبحسب تقرير “مورغان ستانلي”، فإن الفائض المتوقع قد يضع ضغوطًا على الأسعار، خاصة مع وجود مؤشرات على ضعف الطلب العالمي، ما قد يؤدي إلى تراجع الأسعار رغم محاولات “أوبك+” لاحتواء الأزمة عبر تخفيضات الإنتاج.
يؤكد الخبير الاقتصادي مارتن راتس أن الزيادة المتوقعة في الإنتاج خارج “أوبك+” قد تلغي أي تأثير إيجابي لتخفيضات التحالف، مضيفًا أن الأسواق قد تبالغ في تقدير الطلب المستقبلي، مما يجعل الأسعار اليوم تعكس توقعات مفرطة في التفاؤل بشأن الاستقرار.
إلى جانب العوامل الاقتصادية، تلعب التطورات الجيوسياسية دورًا رئيسيًا في تحديد اتجاه أسعار النفط. ومع عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، يتزايد الحديث عن إمكانية فرض عقوبات مشددة على إيران، مما قد يؤدي إلى خفض الصادرات الإيرانية بنحو مليون برميل يومياً.
ويشير تقرير “غولدمان ساكس” إلى أن إعادة فرض عقوبات أكثر صرامة على إيران قد تؤدي إلى اضطرابات في المعروض النفطي، ما سيدفع الأسعار للارتفاع مؤقتًا.
ويقول دان سترويفين، الرئيس المشارك لأبحاث السلع الأولية في “غولدمان ساكس”: “أسعار النفط حاليًا مقومة بأقل من قيمتها الفعلية بنحو 5 دولارات للبرميل، بسبب العجز في السوق والمخاطر المحيطة بالإمدادات الإيرانية.”
ويضيف أن أسواق النفط العالمية شهدت عجزًا بنحو 0.5 مليون برميل يوميًا خلال العام الماضي، مع اتجاه الصين والولايات المتحدة إلى إعادة بناء مخزوناتهما الإستراتيجية لضمان أمن الطاقة، وهو ما قد يعزز الأسعار على المدى القريب.
استجابة الأسواق العالمية: هل تستعد الشركات لموجة صعود؟
على الرغم من التحركات الأخيرة لـ”أوبك+” والتوترات السياسية، لا تزال الأسواق مترددة في رفع أسعار النفط إلى مستويات أعلى، ما يعكس حالة عدم يقين بشأن توقعات الطلب والمعروض. أسواق الأسهم وشركات النفط الكبرى، حيث
تظل شركات النفط الكبرى مثل إكسون موبيل، شل، وبي بي في حالة مراقبة عن كثب للتطورات المقبلة، حيث يشير بعض المستثمرين إلى أن الأسعار قد لا ترتفع بالسرعة المتوقعة ما لم يظهر نقص حقيقي في الإمدادات.
كذلك هناك سلوك المستثمرين والمضاربين، فوفقًا لتقرير “مورغان ستانلي”، فإن المستثمرين يتجهون إلى تبني نهج حذر، حيث لا تزال هناك توقعات بأن أي زيادات كبيرة في الأسعار ستكون مؤقتة قبل أن تبدأ في التراجع لاحقًا.
أيضا هناك موقف الحكومات المستهلكة للنفط، فمن جهة أخرى، بدأت الحكومات المستهلكة للنفط، لا سيما في أوروبا وآسيا، في اتخاذ تدابير لتعزيز المخزون الاستراتيجي لتجنب تأثير أي ارتفاعات مفاجئة في الأسعار.
مع استمرار تخفيضات “أوبك+”، والتوقعات بزيادة الإنتاج خارج التحالف، والتوترات السياسية في الشرق الأوسط، يمكن تلخيص السيناريوهات المحتملة على النحو التالي، إذا استمرت تخفيضات “أوبك+” وتم فرض عقوبات أكثر صرامة على إيران، فقد ترتفع أسعار النفط إلى 78 دولاراً للبرميل بحلول منتصف 2025، قبل أن تبدأ في التراجع تدريجياً مع عودة المعروض إلى السوق. وإذا ما تزايد الإنتاج من خارج “أوبك+” بوتيرة أسرع من المتوقع، فقد يؤدي ذلك إلى فائض في السوق، مما سيعيد الأسعار إلى نطاق 70 دولارًا أو أقل بحلول 2026. أما إذا تراجع الطلب العالمي بسبب تباطؤ اقتصادي عالمي، فقد يؤثر ذلك على قدرة السوق على امتصاص الفائض، مما قد يؤدي إلى تراجع حاد في الأسعار.
في ظل هذا المشهد المعقد، يبدو أن أسواق النفط تتحرك على خط رفيع بين قوى العرض والطلب، والتأثيرات السياسية، والاستجابة غير المتوقعة من المستثمرين. ورغم التوقعات بأن الأسعار قد تسجل ارتفاعًا على المدى القريب، إلا أن المخاطر المتعلقة بالطلب العالمي والإنتاج من خارج “أوبك+” قد تعيق أي صعود طويل الأمد.
ويبقى السؤال الأهم: هل تستطيع “أوبك+” الحفاظ على توازن السوق في مواجهة كل هذه المتغيرات، أم أن قوة الإنتاج من خارج التحالف ستغير موازين اللعبة وتعيد الأسعار إلى مستويات أدنى؟