بعدما وصلت إلى ذروتها التاريخية عند 107,000 دولار في 17 ديسمبر/كانون الأول، تعرضت العملة الرقمية بتكوين لتراجع ملحوظ، حيث انخفضت إلى 93,944 دولارًا في تعاملات بنيويورك حديثًا، مسجلةً خسارة قدرها 14,000 دولار خلال أيام قليلة.
ويعود هذا التراجع إلى جملة من العوامل التي أثرت في معنويات المستثمرين، من بينها تباطؤ التوقعات بشأن خفض أسعار الفائدة الأمريكية، إضافةً إلى حالة الحذر في سوق الأصول الرقمية بعد الموجة الصعودية الأخيرة.
وفقًا لما ذكرته كاتي ستكوتون، المحلل الفني في شركة “فيرليد ستراتيجيس”، فإن هبوط “بتكوين” إلى متوسط حركتها خلال الخمسين يومًا الماضية يعتبر إشارة فنية تستدعي الحذر، وهو ما دفع بعض المستثمرين إلى “التحيز المحايد” وعدم اتخاذ قرارات استثمارية محفوفة بالمخاطر في الوقت الحالي.
وترى ستكوتون أن الأسواق تميل إلى اختبار نقاط الدعم الفني القوية بعد تسجيل قمم سعرية، لكن في حال استمرار التراجع دون هذا المتوسط، فقد يؤدي ذلك إلى موجة تصحيح أعمق.
السياسات الأمريكية وتأثيرها على سوق العملات المشفرة
جاء هذا التراجع في وقت يتوقع فيه بعض المحللين أن تكون السياسات الاقتصادية والنقدية في إدارة ترامب القادمة أقل دعمًا لأسواق الأصول المشفرة مما كان متوقعًا.
ورغم أن الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب سبق أن صرّح برغبته في تخفيف القيود التنظيمية على العملات المشفرة، إلا أن المستثمرين أدركوا أن هذا الدعم قد لا يكون كافيًا لتعزيز موجة صعود جديدة، خاصة في ظل تباطؤ خفض الفائدة من قبل الفيدرالي الأمريكي.
في هذا الإطار، قال إريك هولمز، الخبير في السياسات المالية والرقمية، لـ”شُبّاك” إن “السوق كان يتوقع أن يشهد قطاع العملات المشفرة تحررًا تنظيميًا أوسع في ظل ترامب، لكن تراجع الحماسة حاليًا يعكس عدم اليقين بشأن التنفيذ الفعلي لهذه السياسات”.
ويضيف هولمز أن دعم الجمهوريين لفكرة تكوين احتياطي وطني من “بتكوين” على غرار احتياطي النفط الخام، رغم كونه عاملًا إيجابيًا، إلا أنه يظل فكرة طويلة الأمد ولن يكون له تأثير فوري على السوق.
شهدت الأشهر الماضية تفاؤلًا واسعًا بين المستثمرين في “بتكوين” مدفوعًا بتوقعات بأن مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي سيبدأ قريبًا في تخفيف سياسته النقدية وخفض أسعار الفائدة بوتيرة أسرع.
لكن مع ظهور مؤشرات على أن الفيدرالي قد لا يتسرع في خفض الفائدة كما كان متوقعًا، خفت الحماسة تجاه العملات الرقمية، ما أدى إلى موجة تصحيح سعرية في سوق “بتكوين”.
يقول آدم روزنبرغ، محلل الأسواق الرقمية في نيويورك، لـ”شُبّاك” إن “الارتباط بين السياسات النقدية وأداء الأصول المشفرة بات أكثر وضوحًا في العامين الأخيرين”، مضيفًا أن “توقعات خفض الفائدة تدفع عادةً السيولة نحو الأصول عالية المخاطر مثل “بتكوين”، لكن تأجيل هذه التخفيضات يُضعف الزخم الصعودي للعملة الرقمية”.
التطورات السياسية وتأثيرها على مستقبل “بتكوين”
في تحول لافت، تم اختيار السيناتور بيرني مورينو، المعروف بدعمه القوي للتكنولوجيا المالية والعملات المشفرة، لعضوية لجنة البنوك في مجلس الشيوخ، وهو ما قد يسهم في إضفاء بعض التفاؤل على مستقبل تنظيم الأصول الرقمية في الولايات المتحدة.
لكن مع ذلك، يشير بعض المحللين إلى أن البيئة السياسية الحالية قد تؤدي إلى انقسامات بشأن السياسات المالية الرقمية، خاصةً مع تصاعد الجدل بين الجمهوريين والديمقراطيين حول كيفية تنظيم هذه السوق.
ورغم الهبوط الأخير، إلا أن “بتكوين” ما زالت تحقق مكاسب مذهلة في 2024، حيث سجلت ارتفاعًا بنسبة 125% منذ بداية العام، متفوقةً على معظم الأصول التقليدية، مثل الأسهم والذهب، التي حققت عوائد أقل بكثير.
يقول ديفيد كوبرمان، المستثمر في الأصول الرقمية، إن “التصحيحات السعرية أمر طبيعي في سوق متقلبة مثل العملات المشفرة، لكن النظرة طويلة الأمد لا تزال إيجابية”.
ويضيف: “الزخم الصعودي لـ”بتكوين” لم ينتهِ بعد، وطالما استمرت المؤسسات في الاستثمار بالعملة الرقمية، فإننا قد نشهد موجة صعود جديدة في 2025″.
يبدو أن “بتكوين” الآن عند مفترق طرق حاسم، حيث ستعتمد تحركاتها القادمة على عاملين رئيسيين، أولهما السياسات النقدية للفيدرالي الأمريكي، والذي أشار إلى تبني خفض أسرع لأسعار الفائدة في 2024، فقد يؤدي ذلك إلى تعزيز الطلب على الأصول الرقمية ودفع “بتكوين” إلى مستويات قياسية جديدة. كذلك هناك التطورات التنظيمية في الولايات المتحدة، حيث واصلت إدارة ترامب دعمها الواضح للعملات المشفرة وسهّلت البيئة التنظيمية، فقد يشجع ذلك المستثمرين المؤسسيين على زيادة استثماراتهم في السوق الرقمية.
لكن في المقابل، يحذر بعض الخبراء من أن السوق قد تشهد تصحيحات أعمق إذا استمرت المخاوف بشأن تباطؤ خفض الفائدة أو ارتفاع القيود التنظيمية.
هل يمكن أن تعود “بتكوين” إلى مستوياتها القياسية قريبًا؟
يرى محللون أن السيناريو الأكثر ترجيحًا هو أن “بتكوين” ستشهد فترة من التذبذب بين 85,000 و100,000 دولار خلال الأشهر المقبلة، قبل أن تتحدد وجهتها بناءً على المعطيات الاقتصادية والتنظيمية.
ويقول ماركوس هانسن، خبير الأصول الرقمية، إن “السوق حاليًا في حالة تقييم للمتغيرات الاقتصادية والسياسية، ومن المرجح أن يستمر هذا التذبذب حتى يتضح موقف الفيدرالي الأمريكي وإدارة ترامب من العملات المشفرة بشكل أكثر وضوحًا”.
لكن رغم التراجع الحالي، يظل المستثمرون في “بتكوين” متفائلين بمستقبلها، خاصةً مع استمرار المؤسسات الكبرى في ضخ استثماراتها في قطاع العملات الرقمية، مما قد يساعد على إطلاق موجة صعود جديدة في 2025.
رغم التراجع الحاد في سعر “بتكوين”، إلا أن الأساسيات الاقتصادية والسياسية لا تزال توفر فرصًا للصعود على المدى الطويل، بشرط أن تتطور السياسات النقدية والتنظيمية بشكل يدعم البيئة الاستثمارية لهذه الأصول الرقمية.
ومع استمرار حالة عدم اليقين، تبقى “بتكوين” واحدة من أكثر الأصول إثارةً للجدل والمراقبة، حيث يتطلع المستثمرون إلى ما ستحمله الأشهر المقبلة من قرارات قد تؤثر بشكل جذري على مستقبل السوق الرقمية.