رغم أن العديد من الدول العربية قد شهدت تغييرات تشريعية تهدف إلى تعزيز حقوق المرأة، فإن الفجوة بين النصوص القانونية والتطبيق الفعلي لا تزال عائقًا كبيرًا أمام تحقيق العدالة الجندرية. فبينما تتضمن الدساتير العربية مبادئ تحمي النساء من العنف والتمييز، تواجه النساء في الواقع تحديات قانونية وإجرائية تمنعهن من الاستفادة الفعلية من هذه القوانين.
لكن لماذا تفشل القوانين في حماية النساء بشكل فعال؟ هل تكمن المشكلة في التشريعات نفسها، أم في آليات تطبيقها؟ وهل هناك أمل في سد هذه الفجوة لتحقيق حماية حقيقية للمرأة في المجتمعات العربية؟
التشريعات العربية وحقوق المرأة: هل النصوص كافية؟
مع تزايد الضغوط الدولية والمحلية، بدأت عدة دول عربية في إصلاح قوانينها المتعلقة بحقوق المرأة، حيث شهدت السنوات الأخيرة بعض التعديلات المهمة مثل:
إلغاء أو تعديل قوانين تبرئة المغتصب إذا تزوج الضحية (في الأردن، لبنان، تونس، والمغرب).
إدخال قوانين تجرم العنف الأسري، كما حدث في السعودية، المغرب، لبنان، وتونس.
تحسين قوانين الطلاق وحضانة الأطفال، كما في الإمارات ومصر وتونس.
إلغاء أو تقليل التمييز في قوانين الميراث (رغم استمرار الجدل في بعض الدول مثل تونس).
لكن رغم هذه التطورات، لا تزال العديد من القوانين تحمل ثغرات خطيرة تجعلها غير قادرة على توفير حماية حقيقية للنساء.
لماذا تفشل القوانين في حماية النساء؟
1. غياب التنفيذ الفعلي للقوانين
رغم وجود قوانين تجرّم العنف ضد المرأة، فإن الإجراءات القانونية البطيئة والتراخي في التنفيذ تجعل النساء غير قادرات على الاستفادة منها.
العديد من النساء اللواتي يقدمن شكاوى حول العنف المنزلي يواجهن عراقيل إدارية، أو يُطلب منهن “إصلاح الأمور عائليًا” بدلًا من تطبيق القانون.
في بعض الدول، يُطلب من المرأة إثبات تعرضها للعنف بشهادات طبية أو شهود، مما يجعل الحصول على العدالة أمرًا معقدًا.
2. القوانين التمييزية لا تزال قائمة
لا تزال العديد من القوانين العربية تُميز ضد النساء في الزواج والطلاق والميراث، حيث تمنح الرجال سلطة قانونية أكبر.
في بعض الدول، لا تزال القوانين تسمح للزوج بمنع زوجته من السفر أو العمل دون إذنه، مما يقيد استقلالها القانوني.
قانون الجنسية لا يزال يحرم النساء في عدة دول عربية من منح جنسيتهن لأطفالهن، مما يؤثر على حقوق أطفال الأمهات العربيات المتزوجات من أجانب.
3. ثقافة الإفلات من العقاب
حتى عندما يتم تطبيق القوانين، فإن العقوبات غالبًا ما تكون متساهلة، خاصة في حالات العنف الأسري والتحرش الجنسي.
في بعض الدول، إذا تزوج المغتصب ضحيته، يمكن أن يتم إعفاؤه من العقوبة، مما يجعل القانون نفسه أداة لقمع الضحايا بدلًا من حمايتهن.
حتى في حالات جرائم الشرف، لا تزال بعض المحاكم تخفف العقوبات على الجناة، بناءً على مبررات “غضب الزوج” أو “الدفاع عن الشرف”.
4. الخوف من الوصمة الاجتماعية والضغوط العائلية
الكثير من النساء لا يبلغن عن العنف أو التمييز بسبب الخوف من الوصمة الاجتماعية أو من انتقام العائلة أو المجتمع.
في بعض المجتمعات، يُنظر إلى النساء اللواتي يطالبن بحقوقهن القانونية كأنهن “يفسدن القيم الأسرية” أو “يعارضن العادات والتقاليد”.
حتى عند اللجوء إلى الشرطة، قد يتم إقناع النساء بسحب شكاويهن أو عدم استكمال الإجراءات القانونية.
أمثلة على القوانين غير المطبقة بفعالية
قانون العنف الأسري في المغرب
تم إقرار قانون يجرم العنف الأسري عام 2018، لكنه لا يزال غير كافٍ لحماية النساء، حيث يصعب على الضحايا إثبات الاعتداءات، ولا تزال العقوبات غير رادعة.
تعديل قانون الاغتصاب في لبنان
رغم إلغاء المادة التي تسمح للمغتصب بالزواج من ضحيته للنجاة من العقوبة، لا تزال المحاكم تتساهل مع مرتكبي هذه الجرائم.
حضانة الأطفال في مصر
لا تزال الأم تواجه تحديات في الحصول على الحضانة بعد الطلاق، حيث يمكن للأب التلاعب بالقوانين لمنعها من رؤية أطفالها أو إبعادهم عنها قانونيًا.
كيف يمكن تحقيق حماية قانونية حقيقية للنساء؟
لضمان أن تصبح القوانين أكثر فعالية في حماية النساء، لا بد من:
تفعيل القوانين بآليات واضحة، بحيث لا يتم التهاون في قضايا العنف والتمييز ضد النساء.
إلغاء القوانين التمييزية، خاصة في مجالات الجنسية، الميراث، الزواج، والطلاق.
تشديد العقوبات على العنف ضد النساء، والتأكد من تطبيقها دون استثناءات.
تدريب القضاة وأفراد الشرطة على التعامل مع قضايا النساء بطريقة عادلة وخالية من التحيزات الاجتماعية.
إنشاء مراكز دعم قانونية ونفسية للنساء، بحيث يمكنهن اللجوء إليها دون خوف من الوصمة أو الانتقام الاجتماعي.
تعزيز الوعي المجتمعي بأهمية تطبيق القوانين، وعدم التعامل مع حقوق المرأة على أنها “شأن عائلي” يمكن حله خارج إطار القانون.
القوانين وحدها لا تكفي لحماية النساء، ما لم يتم تفعيلها بجدية وضمان تطبيقها بعدالة. لا تزال النساء في العالم العربي يواجهن تمييزًا قانونيًا ممنهجًا، يتطلب إصلاحات حقيقية تتجاوز مجرد “التعديلات الشكلية” إلى إعادة هيكلة كاملة للنظام القانوني والاجتماعي.
ويبقى السؤال: هل ستشهد السنوات القادمة تحولًا في تطبيق القوانين لصالح النساء، أم أن الفجوة بين النصوص والتطبيق ستظل قائمة لسنوات قادمة؟