توقع جاسم محمد البديوي، الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي، أن يصل الناتج المحلي لدول المجلس إلى 6 تريليونات دولار بحلول عام 2025، ما يعكس التوسع الاقتصادي المتسارع لدول الخليج. وجاءت تصريحاته خلال منتدى المال الآسيوي 2025 في هونغ كونغ، حيث أكد أن المنطقة تتمتع بمكانة اقتصادية عالمية قوية مدعومة باحتياطات نفطية هائلة، استثمارات سيادية ضخمة، وسياسات مالية متزنة.
وفقًا لتصريحات البديوي، بلغ الناتج المحلي الإجمالي لدول الخليج في عام 2023 حوالي 2.1 تريليون دولار، ومن المتوقع أن يصل إلى 6 تريليونات دولار بحلول 2025. هذا النمو الهائل يثير تساؤلات حول مدى واقعية هذه التوقعات، ومدى قدرة اقتصادات الخليج على تحقيق هذه القفزة في ظل التحديات الاقتصادية العالمية.
يفسر الدكتور فهد الناصر، أستاذ الاقتصاد في جامعة البحرين: أن النمو الكبير المتوقع في الناتج المحلي لدول الخليج يعتمد على عوامل رئيسية، “أهمها استقرار أسعار النفط، توسع الاستثمارات غير النفطية، والتكامل الاقتصادي الخليجي”. لكن يبقى السؤال هل يمكن تحقيق هذا الهدف خلال عام واحد فقط؟.
الأصول السيادية الخليجية: قوة مالية أم احتياطي مُعرض للمخاطر؟
كشف البديوي أن إجمالي الأصول المالية السيادية لدول مجلس التعاون الخليجي بلغ 3.2 تريليونات دولار، ما يمثل 33% من إجمالي الأصول السيادية في العالم. وهذا الرقم يضع الخليج ضمن أقوى المناطق من حيث الفوائض المالية والقدرة على الاستثمارات الضخمة.
لكن بعض الخبراء يحذرون من أن هذه الأصول تعتمد بشكل كبير على عوائد النفط والاستثمارات الخارجية، مما يجعلها عرضة للتقلبات في الأسواق المالية الدولية.
يقول طارق العليان، الخبير المالي في دبي: “تمثل الأصول السيادية الخليجية مخزونًا استراتيجيًا من القوة المالية، لكن السؤال هو كيفية إدارتها. الدول الخليجية بحاجة إلى تنويع هذه الأصول وتقليل الاعتماد على العوائد النفطية لضمان استدامتها على المدى الطويل.”
تتصدر دول مجلس التعاون العالمي في احتياطي وإنتاج النفط الخام، كما تحتل المرتبة الأولى عالميًا في احتياطي الغاز الطبيعي، والثالثة في إنتاج الغاز. ووفقًا للبدويوي، فإن السياسات المتزنة لدول الخليج أسهمت في استقرار أسواق الطاقة العالمية عبر توفير إمدادات مستقرة من النفط والغاز.
لكن رغم هذه القوة، تواجه دول الخليج ضغوطًا متزايدة بسبب التحولات العالمية نحو الطاقة المتجددة، والالتزامات البيئية التي قد تؤثر على الطلب المستقبلي على النفط والغاز.
يوضح يوسف الكندري، الخبير في شؤون الطاقة في الكويت، خلال حديثه لـ”شُبّاك” بأنه: “رغم أن الخليج لا يزال لاعبًا رئيسيًا في سوق الطاقة، فإن التحديات البيئية وسياسات تقليل الانبعاثات الكربونية قد تؤثر على الطلب المستقبلي. يجب على دول المجلس الاستثمار بقوة في الطاقة المتجددة لمواكبة التحولات العالمية.”
مشاريع الطاقة الكهربائية والربط الإقليمي: خطوة استراتيجية أم مخاطرة اقتصادية؟
أشار البديوي إلى توقيع اتفاقية بيع الطاقة الكهربائية مع العراق، مع خطط لتوسيع الربط الكهربائي مع دول إقليمية ودولية. ويُنظر إلى هذه الاتفاقيات على أنها محاولة لتنويع مصادر الدخل وتحقيق تكامل اقتصادي إقليمي، لكنها تواجه تحديات لوجستية وسياسية.
يبين خالد المرزوق، الباحث في شؤون الطاقة في أبوظبي: “الربط الكهربائي مع العراق خطوة مهمة، لكنه يواجه تحديات في البنية التحتية والاستقرار السياسي. إذا نجحت هذه المشروعات، فقد تصبح دول الخليج مركزًا إقليميًا لتصدير الطاقة، مما يفتح لها فرصًا اقتصادية جديدة.”
مكانة الخليج في النظام المالي العالمي: صعود أم مجرد تأثير مؤقت؟
أكد البديوي أن تخصيص جلسة خليجية ضمن منتدى المال الآسيوي في هونغ كونغ هو دليل على التأثير المتزايد لدول الخليج في الاقتصاد العالمي. لكن هل هذا النفوذ مستدام؟
يعتبر ماهر الأسعد، المستشار المالي في لندن، أن “دول الخليج أصبحت لاعبًا مؤثرًا في النظام المالي العالمي، لكن عليها الاستمرار في إصلاح الأنظمة الاقتصادية، وتعزيز الاستثمارات في التكنولوجيا والابتكار، لتجنب الاعتماد الزائد على النفط.”
بينما تبدو توقعات وصول الناتج المحلي لدول الخليج إلى 6 تريليونات دولار طموحة جدًا، إلا أنها ليست مستحيلة إذا استمرت المنطقة في تنويع اقتصادها، تعزيز الاستثمارات، والاستفادة من موقعها الاستراتيجي في التجارة العالمية.
لكن تبقى هناك تحديات كبيرة في الطاقة، المناخ الاستثماري، والاقتصاد الرقمي يجب التعامل معها لضمان تحقيق هذه الأهداف الطموحة.
ويظل السؤال الأهم في الواجهة، هل تستطيع دول الخليج تحويل هذه التوقعات إلى واقع ملموس، أم أن الاضطرابات الاقتصادية العالمية قد تؤثر على طموحاتها؟
السنوات القليلة القادمة ستكون حاسمة في رسم مستقبل الاقتصاد الخليجي، ومدى قدرته على تجاوز العقبات وتحقيق قفزة نوعية في النمو والاستدامة.