Spread the love

مع تصاعد العنف في غزة وتزايد الانتقادات لموقف الإدارة الأمريكية المؤيد لإسرائيل، يجد الرئيس جو بايدن نفسه أمام معضلة سياسية وأخلاقية قد تؤثر بشكل كبير على مستقبله السياسي، خصوصاً في ظل استعداداته لخوض الانتخابات الرئاسية المقبلة. انتقادات التقدميين داخل الحزب الديمقراطي وتصاعد استياء المسلمين الأمريكيين يمثلان تحديين رئيسيين يمكن أن يعيدا تشكيل المشهد السياسي الأمريكي.

تصريحات النائبة براميلا جايابال تسلط الضوء على الانقسامات المتزايدة داخل الحزب الديمقراطي. الجناح التقدمي، الذي يضم شخصيات بارزة مثل جايابال وأعضاء من “سكواد” (The Squad)، يشعر بالإحباط من انحياز الإدارة الأمريكية الكامل لإسرائيل، دون الاكتراث بمعاناة المدنيين في غزة. هذا الانقسام يعكس فجوة بين قيادات الحزب الذين يواصلون دعم إسرائيل بشكل تقليدي، وقاعدة الحزب، التي تتجه بشكل متزايد نحو انتقاد السياسات الإسرائيلية.

يشكل المسلمون الأمريكيون كتلة انتخابية متنامية ومؤثرة في ولايات متأرجحة مثل ميشيغان وبنسلفانيا. موقف بايدن من غزة وإسرائيل، والذي يعتبره كثيرون انحيازاً صارخاً لإسرائيل، قد يؤدي إلى عزوف هذه الكتلة عن التصويت أو حتى تحولها نحو الجمهوريين أو مرشحين مستقلين، مما يضعف فرص بايدن في تحقيق الفوز.

تصريحات جايابال بأن الشعب الأمريكي “بعيد جداً” عن موقف بايدن تشير إلى تآكل التأييد الشعبي للسياسات الخارجية للإدارة. الاتهامات المتزايدة بالتغاضي عن جرائم حرب والافتقار إلى نهج متوازن يزيد من صعوبة تبرير هذه السياسات أمام الناخبين.

الحرب في غزة أثارت جدلاً واسعاً حول المسؤولية الأخلاقية للولايات المتحدة كقوة عظمى تدعم إسرائيل عسكرياً ومالياً. استخدام القوة المفرطة من قبل إسرائيل في القطاع المحاصر، وتجاهل معاناة المدنيين، يضع بايدن في موقف يصعب الدفاع عنه أخلاقياً. مطالبة جايابال بعدم تبرير “جريمة حرب بجريمة حرب أخرى” تعكس هذا الضغط الأخلاقي المتزايد.

بايدن يعتمد بشكل كبير على دعم اللوبي المؤيد لإسرائيل، الذي يتمتع بنفوذ قوي في السياسة الأمريكية. في الوقت ذاته، يحتاج إلى الحفاظ على تماسك الحزب الديمقراطي وإرضاء الجناح التقدمي وقواعد الحزب الشابة والمتنوعة. هذه المعضلة تجعل من الصعب تحقيق توازن بين الطرفين دون التضحية بشريحة من الناخبين.

الجناح التقدمي داخل الحزب الديمقراطي يكتسب نفوذاً متزايداً، ليس فقط داخل الكونغرس، ولكن أيضاً بين القواعد الشعبية. تصاعد الانتقادات لسياسات بايدن الخارجية قد يدفع التقدميين إلى الضغط من أجل تبني مواقف أكثر اتزاناً تجاه الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، أو حتى الامتناع عن دعم بايدن في الانتخابات المقبلة.

في حال استمر بايدن في تجاهل مطالب القاعدة التقدمية والمسلمين الأمريكيين، قد يؤدي ذلك إلى تقوية مرشحين بدلاء داخل الحزب الديمقراطي، أو تعزيز فرص مرشحين مستقلين يسعون لاستغلال هذا الاستياء.

موقف بايدن قد يؤدي إلى تعميق الانقسام بين الناخبين الأمريكيين. بينما يدعم المحافظون والجماعات المؤيدة لإسرائيل نهج بايدن الحالي، يشعر التقدميون والناخبون المسلمون بالتهميش، مما قد يؤثر على نسبة الإقبال على التصويت لصالح الديمقراطيين.

قد يسعى بايدن إلى تبني خطاب أكثر توازناً يركز على وقف إطلاق النار وحماية المدنيين في غزة، مما قد يخفف من حدة الانتقادات الداخلية ويعيد بناء الثقة مع الناخبين المسلمين والتقدميين.

الاستمرار في دعم إسرائيل دون تقديم تنازلات كبيرة قد يكون خياراً استراتيجياً لتأمين دعم اللوبي المؤيد لإسرائيل والناخبين المحافظين. لكن هذا الخيار يحمل مخاطر كبيرة بفقدان القاعدة الشعبية داخل الحزب.

زيارة بايدن لإسرائيل وتصريحاته المؤيدة بشكل صارخ للحكومة الإسرائيلية تعكس انحيازاً واضحاً أثار جدلاً واسعاً داخل وخارج الولايات المتحدة. مع اقتراب الانتخابات الرئاسية، يحتاج بايدن إلى إعادة تقييم سياساته الخارجية لضمان تماسك الحزب الديمقراطي والحفاظ على دعم القواعد الشعبية المتنوعة. فشل الإدارة في تحقيق توازن بين الأخلاق والسياسة قد يجعل الطريق إلى البيت الأبيض أكثر صعوبة، خاصة في ظل تزايد التحديات الداخلية والاستقطاب المتصاعد.

“بعمق” زاوية أسبوعية سياسية تحليلية على “شُبّاك” يكتبها رئيس التحرير: مالك الحافظ

error: Content is protected !!