Spread the love

مع تسارع وتيرة الأتمتة والذكاء الاصطناعي، تتغير ملامح سوق العمل بشكل غير مسبوق. فبينما تُروّج التكنولوجيا بوصفها أداة لتحرير الإنسان من الأعمال الروتينية، تتزايد المخاوف حول تأثيرها على الوظائف التقليدية، لا سيما بالنسبة للنساء اللواتي يتركزن في قطاعات أكثر عرضة للأتمتة، مثل التعليم، الرعاية الصحية، والوظائف الإدارية. فهل نحن أمام موجة جديدة من الإقصاء الاقتصادي للمرأة، أم أن هذه التحولات قد توفر فرصًا جديدة للنساء في مجالات التكنولوجيا والاقتصاد الرقمي؟

الذكاء الاصطناعي وسوق العمل: هل النساء أكثر عرضة للخسارة؟

تاريخيًا، واجهت النساء تحديات في سوق العمل نتيجة التمييز الجندري، والفجوة في الأجور، وقلة التمثيل في الوظائف القيادية. ومع دخول الذكاء الاصطناعي إلى معادلة العمل، تتجه بعض القطاعات نحو تقليل الاعتماد على البشر، مما قد يفاقم من هشاشة الوظائف التي تشغلها النساء.

توضح الباحثة التونسية أمل الحداد، المتخصصة في الاقتصاد الجندري، أن “الوظائف التي تتركز فيها النساء أكثر عرضة للأتمتة مقارنة بتلك التي يشغلها الرجال. فالوظائف الإدارية والسكرتارية، على سبيل المثال، تشهد انخفاضًا حادًا مع انتشار البرامج الذكية التي تحل محل القوى البشرية.”

وتضيف أن “التعليم، وهو قطاع تمثل فيه النساء نسبة كبيرة، قد يشهد تغيرات كبيرة مع انتشار تقنيات التعليم الذكي والروبوتات المساعدة، مما قد يؤدي إلى إعادة هيكلة الوظائف التعليمية التقليدية وتقليل الحاجة إلى عدد كبير من المعلمين.”

وفقًا لتقرير صادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي عام 2023، فإن 70% من الوظائف الإدارية التقليدية قد تختفي بحلول عام 2035 نتيجة الأتمتة، وهي وظائف تشغلها النساء بنسب أعلى مقارنة بالرجال.

على الجانب الآخر، يرى البعض أن الأتمتة قد تكون فرصة لتعزيز مشاركة النساء في الاقتصاد الرقمي. فمع توسع المجالات التكنولوجية، تنشأ وظائف جديدة يمكن للنساء دخولها، لا سيما في البرمجة، تحليل البيانات، وأمن المعلومات.

يؤكد الباحث المغربي يوسف بلحاج، المختص في السياسات الرقمية، أن “الأتمتة ليست تهديدًا بقدر ما هي دعوة لإعادة تشكيل سوق العمل. التحدي الحقيقي يكمن في كيفية تهيئة النساء لدخول قطاعات التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي، بدلاً من البقاء في وظائف مهددة بالاندثار.”

ويضيف أن “هناك فرصة تاريخية أمام النساء لتجاوز الفجوة الجندرية في القطاعات التكنولوجية، حيث إن العمل في مجالات الذكاء الاصطناعي لا يتطلب قوة بدنية، وإنما مهارات تحليلية وتقنية، مما يعني أنه يمكن أن يكون مجالًا أكثر انفتاحًا للنساء مقارنة بالصناعات التقليدية.”

الذكاء الاصطناعي والتحيز الجندري: هل التكنولوجيا محايدة؟

ورغم الحديث عن الفرص، لا يمكن إغفال المخاطر الجندرية التي قد تترسخ مع الذكاء الاصطناعي. فالتقنيات الحديثة، رغم حياديتها الظاهرية، تعكس تحيزات من يصممها.

تشير أمل الحداد إلى أن “الخوارزميات التي تدير أنظمة الذكاء الاصطناعي غالبًا ما تعكس انحيازات جندرية، مما قد يؤدي إلى استبعاد النساء بشكل غير مباشر من بعض الفرص الوظيفية، أو ترسيخ الصورة النمطية حول أدوارهن في سوق العمل.”

وتدعم هذه الفكرة دراسة أجرتها جامعة MIT عام 2022، وجدت أن أنظمة الذكاء الاصطناعي المستخدمة في التوظيف تميل إلى استبعاد النساء من المناصب التقنية بناءً على بيانات تاريخية تفضل الرجال في هذه المجالات.
النساء والتكنولوجيا: بين الحاجة إلى المهارات والسياسات الداعمة

إذا كان الذكاء الاصطناعي يهدد بعض وظائف النساء، فالسؤال المطروح هو: هل هناك سياسات كافية لضمان أن يكون التحول الرقمي في صالحهن؟

يؤكد يوسف بلحاج أن “الحكومات والشركات بحاجة إلى تبني سياسات تشجع النساء على دخول المجالات التكنولوجية، مثل توفير منح تعليمية لدراسة البرمجة والذكاء الاصطناعي، وتطوير برامج تدريبية خاصة بالنساء في التقنيات الحديثة.”

وقد بدأت بعض الدول العربية بالفعل في اتخاذ خطوات نحو ذلك، مثل الإمارات التي أطلقت مبادرة “مليون مبرمجة عربية” والتي تهدف إلى تدريب النساء والرجال على البرمجة، وتونس التي عززت مشاركة النساء في قطاع التكنولوجيا من خلال حوافز مالية للشركات التي توظف النساء في الوظائف الرقمية.

يبدو أن ثورة الذكاء الاصطناعي تحمل للنساء وجهين: فهي تهدد بعض الوظائف التي يعتمدن عليها تقليديًا، لكنها في الوقت نفسه تفتح آفاقًا جديدة في مجالات لم تكن النساء ممثلات فيها بقوة سابقًا. التحدي الأساسي يكمن في كيفية تمكين النساء من اكتساب المهارات الرقمية، وضمان أن تكون التكنولوجيا أداة للتمكين وليس وسيلة لإعادة إنتاج الفجوة الجندرية في سوق العمل.

ويبقى السؤال: هل ستتمكن النساء من اقتناص هذه الفرصة، أم أن الأتمتة ستدفع بهن نحو مزيد من التهميش الاقتصادي؟

error: Content is protected !!