زيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن لإسرائيل خلال تصاعد الحرب بين الدولة العبرية وحركة حماس تعكس أبعاداً سياسية واستراتيجية تتجاوز حدود التضامن التقليدي مع حليف استراتيجي. هذه الزيارة، التي جاءت في لحظة حساسة، تحمل رسائل متعددة الأطراف لكنها تثير تساؤلات حول مدى توازن الموقف الأمريكي في سياق صراع معقد يمتد تأثيره إلى الإقليم بأسره.
تصريحات بايدن خلال زيارته، التي أكدت تقديم “كل ما تحتاجه إسرائيل للدفاع عن نفسها”، تُظهر انحيازاً واضحاً لرواية تل أبيب. تبنيه لرواية إسرائيل حول انفجار المستشفى في غزة، رغم تضارب المعلومات حول الحادث، يعزز الانطباع بأن الإدارة الأمريكية تتبنى نهجاً أحادياً في التعامل مع الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، متجاهلة السياق الأوسع للمأساة الإنسانية في غزة.
هذا الانحياز يثير تساؤلات حول مصداقية واشنطن كوسيط في أي جهود مستقبلية للسلام. في ظل سقوط مئات الضحايا المدنيين الفلسطينيين، كان يُتوقع من الولايات المتحدة اتخاذ موقف متوازن يركز على حماية المدنيين وضمان الالتزام بالقانون الدولي، لكن الخطاب المرافق للزيارة يعزز شعور الفلسطينيين والعرب بعدم العدالة.
خطاب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الذي وصف الصراع بأنه “حرب بين قوى الحضارة وقوى الهمجية” يعكس محاولة لتبرير القصف المكثف على غزة أمام المجتمع الدولي. استخدام هذا النوع من الخطاب يعزز الاستقطاب ويضع الصراع في إطار أيديولوجي يعيق الوصول إلى حلول سياسية. تأكيد بايدن على دعم إسرائيل في “الدفاع عن شعبها” دون تقديم رؤية لحماية المدنيين الفلسطينيين قد يؤدي إلى تفاقم الأزمة الإنسانية وزيادة الغضب الشعبي في المنطقة.
زيارة بايدن جاءت في سياق إقليمي يشهد توتراً متصاعداً، حيث تهدد العمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة بزعزعة الاستقرار في دول الجوار، مثل الأردن ولبنان، وتؤجج مشاعر الغضب الشعبي في العالم العربي والإسلامي. الدعم الأمريكي غير المشروط لإسرائيل قد يعزز موقف الحكومات الداعمة للفلسطينيين في المنطقة ويزيد من عزلة واشنطن كوسيط نزيه.
من ناحية أخرى، هذا الدعم يعزز من جرأة إسرائيل في مواصلة العمليات العسكرية دون الاكتراث بالضغوط الدولية، مما يفاقم الأزمة الإنسانية ويزيد من تعقيد المشهد السياسي في غزة والمنطقة.
في حين أكد بايدن على “العمل مع الشركاء في المنطقة لمنع المزيد من المآسي”، فإن التركيز الواضح على دعم إسرائيل دون الحديث عن وقف إطلاق النار أو تقديم مبادرة سياسية يُظهر تناقضاً في الموقف الأمريكي. دعم العمليات العسكرية الإسرائيلية يضعف مصداقية واشنطن كوسيط قادر على دفع الطرفين نحو تهدئة مستدامة.
إضافة إلى ذلك، فإن عدم التطرق بشكل واضح لمعاناة المدنيين في غزة أو الحديث عن الالتزام بالقانون الإنساني الدولي يُظهر تناقضاً مع القيم التي تدعي الولايات المتحدة تمثيلها في سياستها الخارجية.
الحرب الدائرة في غزة تتسبب في كارثة إنسانية هائلة، مع تدمير البنية التحتية واستهداف المدنيين بشكل واسع. في هذا السياق، زيارة بايدن التي ركزت على دعم إسرائيل عسكرياً دون التطرق لمعاناة الفلسطينيين تُظهر غياب رؤية شاملة تعالج جذور الصراع وتساهم في تخفيف المأساة الإنسانية.
المسؤولية الأخلاقية والسياسية تتطلب من واشنطن اتخاذ موقف أكثر توازناً يُظهر التزامها بحماية جميع المدنيين بغض النظر عن الطرف المسؤول. أي تجاهل للأزمة الإنسانية في غزة يعزز الشعور بعدم العدالة ويعمق مشاعر الغضب والإحباط في المنطقة.
زيارة بايدن ومواقفه تطرح تساؤلات حاسمة حول مستقبل الدور الأمريكي في المنطقة:
هل يمكن للولايات المتحدة الحفاظ على دور الوسيط في ظل هذا الانحياز الواضح؟
المواقف الحالية تُضعف ثقة الفلسطينيين والعرب في نزاهة واشنطن، مما يجعل أي مبادرات سلام مستقبلية تواجه تحديات كبيرة.
كيف ستؤثر هذه السياسات على علاقات أمريكا مع شركائها الإقليميين؟
الدعم الأمريكي المطلق لإسرائيل قد يعيد تشكيل التحالفات الإقليمية ويعزز التعاون بين الدول العربية والإسلامية لدعم القضية الفلسطينية.
هل يؤدي هذا التصعيد إلى استقرار طويل الأمد أم إلى مزيد من العنف؟
السياسات القائمة على القوة العسكرية دون معالجة القضايا السياسية والإنسانية الأساسية تزيد من احتمالية استمرار الصراع وتجدد موجات العنف.
زيارة بايدن لإسرائيل تُظهر التزاماً قوياً بدعم حليف استراتيجي، لكنها تكشف أيضاً عن انحياز واضح يعمق الاستقطاب في المنطقة. في ظل تصاعد العنف والمأساة الإنسانية في غزة، تحتاج واشنطن إلى إعادة تقييم سياستها لتجنب فقدان مصداقيتها كقوة تسعى للسلام. ما لم تُظهر الإدارة الأمريكية توازناً في مواقفها، فإن هذه الزيارة قد تؤدي إلى تداعيات طويلة الأمد تعيد تشكيل المشهد السياسي في الشرق الأوسط بطريقة قد لا تخدم مصالح السلام والاستقرار.
“بعمق” زاوية أسبوعية سياسية تحليلية على “شُبّاك” يكتبها رئيس التحرير: مالك الحافظ