Spread the love

لماذا تُعامل النساء في السجون العربية وكأنهن ارتكبن جرمًا مضاعفًا، ليس فقط لأنهن خالفن القانون، بل لأنهن تجرأن على كسر صورة “المرأة الفاضلة” التي رسمها المجتمع؟ هل تعكس السجون مجرد عقوبة قانونية، أم أنها جزء من منظومة عقابية أوسع تفرض وصاية مجتمعية على النساء حتى خلف القضبان؟ وكيف تختلف تجربة النساء في السجون عن الرجال، ليس فقط من حيث الظروف، بل من حيث الوصمة الاجتماعية التي تلاحقهن بعد الإفراج؟

في الدول العربية، تواجه النساء المسجونات واقعًا مختلفًا تمامًا عن الرجال. فبينما يُنظر إلى الرجل السجين كمن ارتكب جرمًا يمكن تجاوزه لاحقًا، تُعامل المرأة السجينة على أنها “عار” يلاحق أسرتها حتى بعد خروجها. الكثير من النساء يدخلن السجون ليس بسبب جرائم خطيرة، بل بسبب قضايا مثل الديون، والهروب من العنف الأسري، والعلاقات خارج الزواج، وحتى العمل في وظائف يعتبرها المجتمع غير مقبولة.

تقرير صادر عن المفوضية السامية لحقوق الإنسان عام 2023 يشير إلى أن نسبة النساء المسجونات بسبب جرائم غير عنيفة في العالم العربي تفوق 65%، مما يعني أن معظم السجينات لم يرتكبن جرائم تهدد الأمن أو المجتمع، بل غالبًا ما يجدن أنفسهن داخل الزنازين بسبب ظروف اقتصادية أو اجتماعية.

المحامية الأردنية رُبى الخطيب، المتخصصة في قضايا حقوق السجينات، تؤكد أن العديد من النساء يُسجَنّ بسبب مخالفات مالية بسيطة، أو لكونهن ضحايا عنف منزلي حاولن الهروب منه، ومع ذلك، يتم التعامل معهن وكأنهن مجرمات خطيرات. القانون لا يأخذ بعين الاعتبار السياقات الاجتماعية التي تؤدي إلى وقوع النساء في هذه الظروف، مما يجعل السجن في كثير من الأحيان شكلًا آخر من أشكال العقاب المجتمعي ضد المرأة.

جرائم الشرف وسجون النساء: الضحية التي تتحول إلى متهمة

في بعض الدول، لا تزال النساء يُسجَنّ بسبب قضايا تتعلق بـ”الشرف”، رغم أنهن في كثير من الأحيان لسن الجانيات، بل الضحايا. الفتيات اللواتي يهربن من العنف الأسري أو يجبرن على الزواج القسري قد يجدن أنفسهن خلف القضبان، بينما يظل الجناة الحقيقيون أحرارًا.

في العراق والأردن وفلسطين، تشير تقارير حقوقية إلى أن بعض النساء يتم احتجازهن في مراكز “حماية” لمنعهن من التعرض للقتل من قبل عائلاتهن، لكن هذه المراكز لا تختلف كثيرًا عن السجون، حيث تُعزل النساء عن الحياة الاجتماعية، ولا يُسمح لهن بالخروج إلا بقرار من ولي الأمر، مما يعني أنهن ينتقلن من وصاية العائلة إلى وصاية الدولة.

في مصر، كشفت منظمة العفو الدولية أن بعض النساء اللواتي وُضعن في السجن بتهم تتعلق بـ”الأخلاق” تعرضن لانتهاكات نفسية وجسدية، حيث يتم معاملتهن على أنهن “منحرفات” أخلاقيًا، وليس فقط متهمات بخرق القانون.

الناشطة الحقوقية اللبنانية سلمى ناصر ترى أن قوانين “الشرف” ليست فقط غير عادلة، بل هي أداة تستخدمها المجتمعات لتبرير العنف ضد النساء. في كثير من الحالات، لا يتم سجن النساء بسبب أفعال جرمية حقيقية، بل بسبب خرقهن لمعايير مجتمعية متخلفة، تعطي الرجل سلطة مطلقة على جسد المرأة وحياتها.

الظروف داخل السجون: هل تعكس العقوبة أم تزيد من المعاناة؟

في معظم الدول العربية، لا تزال أوضاع السجون تعاني من اكتظاظ شديد، ونقص في الخدمات الأساسية، لكن النساء في السجون يواجهن تحديات إضافية تتعلق بانعدام الرعاية الصحية، والتحرش من قبل الحراس، وعدم توفير احتياجات أساسية مثل الفوط الصحية أو مستلزمات النظافة الشخصية.

تقرير لمنظمة هيومن رايتس ووتش عام 2022 أشار إلى أن النساء في السجون العربية غالبًا ما يُحتجزن في بيئات غير إنسانية، حيث يُجبرن على العيش في زنازين مكتظة، ويفتقرن إلى أي برامج تأهيلية تساعدهن على الاندماج في المجتمع بعد الإفراج.

في المغرب، تم الكشف عن حالات لسجينات يُحرمن من زيارة أطفالهن، بينما في مصر، هناك تقارير عن سوء معاملة السجينات السياسيات، اللواتي يتم عزلهن عن بقية السجينات ويتعرضن لمعاملة قاسية. في السعودية، رغم التحسن في أوضاع بعض السجون، لا تزال بعض السجينات يواجهن قيودًا مشددة على التواصل مع العالم الخارجي.

تقول الخبيرة التونسية هدى الزغبي إن سجون النساء في العالم العربي تعكس مدى فشل الأنظمة القانونية في التعامل مع قضايا المرأة بشكل عادل. النساء يُسجَنّ بسبب جرائم غير عنيفة، لكنهن يُعاملن داخل السجون بأساليب عقابية أشد مما يتعرض له الرجال في قضايا مشابهة. العقوبة ليست فقط في فقدان الحرية، بل في الظروف المهينة التي يتم إجبارهن على العيش فيها.

حتى بعد الإفراج، لا تنتهي معاناة النساء اللواتي دخلن السجن. المجتمع لا يغفر لهن بسهولة، حيث تواجه معظم السجينات السابقات صعوبة في العثور على عمل، أو العودة إلى أسرهن، أو حتى استئناف حياتهن الطبيعية. في بعض الحالات، يتم نبذ المرأة السجينة تمامًا، ويُنظر إليها على أنها “عار” لا يمكن محوه.

في بعض الدول العربية، لا يزال يُنظر إلى المرأة التي قضت فترة في السجن، حتى لو كانت بسبب قضية بسيطة مثل عدم سداد قرض، على أنها “امرأة ساقطة”، مما يدفع الكثيرات إلى الانعزال عن المجتمع، أو حتى العودة إلى الجريمة بسبب غياب أي فرص لإعادة الاندماج.

الخبير الاجتماعي المغربي جمال الإدريسي يرى أن الوصمة الاجتماعية التي تواجهها النساء بعد الخروج من السجن أسوأ من السجن نفسه. المجتمع لا يمنحهن فرصة ثانية، رغم أن الرجال الذين يرتكبون جرائم أخطر يتمكنون من العودة إلى حياتهم بسهولة. هذا التمييز يكشف عن مدى عمق الفكر الذكوري الذي يحمّل المرأة مسؤولية أكبر عن أي خطأ ترتكبه.
خاتمة: هل يمكن تغيير واقع النساء في السجون؟

بين التمييز القانوني، وسوء المعاملة داخل السجون، والوصمة الاجتماعية بعد الإفراج، تبدو معاناة النساء في السجون العربية أشبه بعقوبة لا تنتهي. إصلاح هذا الواقع يحتاج إلى تغييرات قانونية تضمن محاكمة عادلة للنساء، وتمنع سجنهن بسبب مخالفات غير عنيفة، وتوفر لهن بيئة إنسانية داخل السجون، وبرامج تأهيل حقيقية بعد الإفراج.

لكن السؤال الذي يبقى مطروحًا: هل هناك إرادة حقيقية لتغيير أوضاع النساء في السجون، أم أن المجتمعات العربية ستستمر في معاقبتهن حتى بعد انتهاء فترة العقوبة؟

error: Content is protected !!